بالمفهوم، ثم يذكره بالمنطوق، وهذا قد أكثر منه مالك في موطئه، لا سيما والرسالة قد كتبت للولدان، ولا يمكن أن يكون ذلك كله سهوا من المؤلف لتقارب المكرر من الأصل في بعض المواطن، وهذا منهج غير منكور، بل هو مطلوب، فقد كان النبي ﷺ إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا، حتى تفهم عنه، وربما كرر الكلمة للتهويل، كما قال:«ألا وقول الزور»، فما زال يكررها حتى قالوا ليته سكت، يقصدون افشفاق عليه.
[٢ - زمن التأليف]
كتب ابن أبي زيد رسالته وعمره سبع عشرة سنة، كما ذكره المترجمون له، ولذا وصفت الرسالة بأنها باكورة السعد، وقد دونت استجابة لرغبة من أحد رفاقه وتلاميذه، وهو مؤدب الصبية ومعلمهم القرآن الكريم، وهو أبو محفوظ محرز، بفتح الراء، ابن خلف البكري المولود سنة (٣٤٠ هـ)، المتوفى سنة (٤١٣ هـ)، وهو الذي أشار إليه في مقدمة كتابه، فقال:«فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمل به الجوارح،،،».
وقيل إن الذي طلب منه تأليفها هو إبراهيم بن محمد السبائي، قال زروق:«وعلى الأول اقتصر أصحاب التقاييد، وعلى الثاني اقتصر المؤرخون، ويحتمل اتفاقية الجمع، وإلا فالأول أرجح»، انتهى، ورفض ابن ناجي أن يكون المقترح هو السبائي لكونه لا يعلم أحدا تحدث عن مناقبه، فذكر فيها أنه كان مؤدبا يعني معلما للصبيان، والحال أن المؤلف يخاطب معلما لهم، كما أبى أن يكون الاقتراح مزدوجا نظرا لصيغة الإفراد التي دأب عليها المؤلف في مقدمة رسالته كقوله:«فإنك سألتني»، وأمثلته كثيرة، وقوله في ختامها:«وأنا أسأل الله ﷿ أن ينفعنا وإياك بما علمنا».
لكن هذا ليس موجبا للرد، إذ يمكن أن تكون الرسالة كتبت مرتين، وهو ما ذهب إليه بعض الباحثين، والحجة في ذلك واضحة، فإن المصادر كالمطبقة على أنه ألفها وعمره سبع عشرة سنة، بل نقل بعضهم إجماع المصادر عليه، فيكون ذلك سنة (٣٢٧ هـ)، وهذا قبل مولد الشيخ محرز بثلاث عشرة سنة، وقد نقل الشيخ زروق في خاتمة شرحه أنه ألفها