وقول معاذ هذا رواه مالك في الموطإ عن زياد بن أبي زياد عن معاذ موقوفا عليه، لكن زيادا لم يدرك معاذا فالأثر منقطع، وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي الدرداء مرفوعا:«ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم، قالوا: «وما ذاك يا رسول الله»؟، قال:«ذكر الله»، وقال معاذ بن جبل:«ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله ﷿ من ذكر الله»، لفظ ابن ماجة، وقول معاذ هنا وإن كان بصورة التعليق فإنه موصول عن زياد بن أبي زياد عن معاذ وقد تقدم ما فيه.
أما قول عمر فمعناه أن الذكر الحق هو امتثال أمر الله بالفعل ونهيه بالترك، لا مجرد الذكر باللسان مع ترك المأمور وفعل المحظور، أو يكون معناه أن تفعل الطاعات وتجتنب المحرمات ابتغاء مرضاة الله وخوفا من عذابه، فهذا من أعظم أنواع ذكر الله، لا لغير ذلك من الأغراض، وهو لا يختلف عن قول معاذ السابق، وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن ربيعة قال: سألني ابن عباس عن قول الله: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (٤٥)﴾ [العنكبوت: ٤٥]، فقلت:«ذكره بالتسبيح والتكبير والقرآن حسن، وذكره عند المحارم فيحتجز عنها»، فقال:«لقد قلت قولا عجيبا، وما هو كما قلت، ولكن ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه»، وقد جعل بعضهم قول ابن عباس هذا بمعنى ما نسب لعمر في كلام المؤلف، وليس بصواب، فإن الذي يوافق قول عمر هو ما قاله عبد الله بن ربيعة، وروى ابن جرير أيضا عن أم الدرداء أنها قال: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (٤٥)﴾، فإذا صليت فهو من ذكر الله، وإذا صمت فهو من ذكر الله، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله، وكل شر تجتنبه فهو من ذكر الله، وأفضل ذلك تسبيح الله»، انتهى، وأفضلية التسبيح باعتبار سهولة المداومة لإمكان ذلك على كل حال، وإلا فإن المصلي ذاكر والصائم ذاكر وهكذا.
وقد روى ابن أبي حاتم عن مكحول الأزدي قال: قلت لابن عمر: «أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله، وقد قال الله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (١٥٢)﴾ [البقرة: ١٥٢]، قال:«إذا ذكر هذا الله ذكره بلعنته حتى يسكت»، انتهى، وهذا إذا ذكره حال تلبسه بالمعصية، أما حال إقلاعه وتوبته فلا.