وقوله «إن كان وقت يجوز فيه الركوع»؛ احترز به عما إذا دخل في وقت نهي عن الصلاة فيه نهي كراهة أو تحريم، فإن المذهب أن تحية المسجد لا تصلى في الوقت الذي تكره فيه الصلاة، أو تمنع، ولا فرق في الكراهة بين الصلاة ذات السبب والنافلة المطلقة، لأن النهي ورد عاما، ومن ذلك قول عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ:«نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب»، متفق عليه، وقال عقبة بن عامر:«ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضَيفُ الشمس للغروب حتى تغرب»، رواه مسلم (٨٣١)، وقوله «نقبر»، فعل ثلاثي والباء مفتوحة ومضمومة، ومعناه ندفن، أما الرباعي أقبر فمعناه جعله ذا قبر، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)﴾ [عبس: ٢١]، وقوله «حين يقوم قائم الظهيرة»، أي حين استواء الشمس، بحيث لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل، وقد علمت أن الظل لا ينعدم إلا نادرا وفي بعض أماكن الأرض، والمقصود نقصانه إلى أقل طول، و «تضيف» بفتح التاء والضاد والياء المفتوحة المشددة، تميل.
واعلم أنه ليس من أوقات النهي عن الصلاة في المذهب قيام قائم الظهيرة، وقد استدل مالك ﵀ حين سئل عن الصلاة منتصف النهار بالعمل فقال:«لم يزل من عمل الناس العباد عندنا يُهَجرون، فيصلون بذلك في الجمعة وغيرها، وما أدركت الناس إلا على ذلك»، وقال ابن أبي زيد مدعما هذا القول:«ومن الموطإ روى مالك أن عمر كان يتنفل بالهاجرة»، وهو (في النوادر جامع القول في صلاة النوافل)، والأثر الذي أشار إليه رواه مالك في الموطإ (٣٥٨) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال: «دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح، فقمت وراءه فقربني، حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه»، وقوله «يسبح»؛ يعني يصلي النافلة، و «الهاجرة» وقت اشتداد الحر نصف النهار، ويرفأ هو خادم عمر، ولا حجة في هذا الأثر - لو صلح فعل الصحابي لمعارضة صحيح السنة - لأن غاية ما فيه أنه صلى وقت اشتداد الحر، ولا يلزم أن يكون ذلك وقت نصف النهار، ولو سلم ذلك؛ فيحتمل أن لا يكون متحريا، وهي واقعة