ومن تراجم مالك في الموطإ (النهي عن الصلاة بالهاجرة)، وهذه الترجمة يمكن أن ينتزع منها أن الإمام يرى أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، والألف واللام في الصلاة يحتمل أن تكون للعهد، أي صلاة الظهر، وهذا هو الذي يؤخذ مما تحت الترجمة، فإنه إنما أورد تحتها عن عطاء بن يسار نحو حديث أبي ذر المتقدم في الأمر بالإبراد بالظهر، وقد يقال إنه عنى النهي عن عموم الصلاة وقت الهاجرة، فالنافلة لا تصلى، والظهر يبرد بها، ولم يكن عنده غير ما رواه، يشير إلى ذلك ما ذكره ابن عبد البر عنه في (الاستذكار ١/ ١٠٧) من التردد حيث قال: «لا أكره التطوع نصف النهار ولا أحبه»، ويدعم هذا أنه روى في الموطإ (٥١٢) عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله ﷺ قال: «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها»، ونهى رسول الله ﷺ عن الصلاة في تلك الساعات»، وقرن الشيطان قيل على حقيقته، ومعناه أنه يدني رأسه منها ليكون الساجدون لها من الكفار ساجدين له، وقيل قرنه حزبه وأتباعه ومتولوه، وقوله «استوت»؛ يعني بلغت أقصى ارتفاعها حسب الظاهر، وهو الوقت الذي يبلغ فيه الظل أدنى طول له، قال ابن عبد البر معلقا على ما أثبته عنه من التردد: «يدل قوله هذا على أنه لم يصح عنده حديث زيد بن أسلم هذا عن عطاء بن يسار عن الصنابحي في ذلك،،، وما أدري ما هذا، وهو يوجب العمل بمراسيل الثقات؟، ورجال هذا الحديث ثقات، وأحسبه مال في ذلك إلى حديثه (الموطأ ٢٢٩) عن ابن شهاب، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي «أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر بن الخطاب»، ومعلوم أن خروج عمر كان بعد الزوال بدليل حديث طنفسة عقيل،،، إلى أن قال:«وإلى هذا ذهب مالك لأنه عمل معمول به في المدينة، لا ينكره منكر»، وإنما رميت بهذا إلى تحقيق قول مالك في مسألة النافلة منتصف النهار، وأنه إن لم يقل بها فلكون الحديث لم يصح عنده على ما ذهب إليه ابن عبد البر، أو لأنه اعتمد العمل، وهو ما كان يراه من صلاة أهل العلم يوم الجمعة منتصف النهار.