٨٩ - «ومن وراء ذلك مشتبهات من تركها سلم ومن أخذها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
جاء في هذا حديث النعمان بن بشير ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «إن الحلال بَيِّنٌ، وإن الحرام بَيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب»، رواه الشيخان وأصحاب السنن، والمشتبهات من الاشتباه هو الالتباس والاختلاط، فهي ما ليس حلالا محضا ولا حراما محضا عند من اشتبهت عليه، لا أنها كذلك في نفس الأمر، فإن ذلك لا يتساوى الناس فيه، فقد يشتبه الأمر على أحد ولا يشتبه على آخر، فمن اشتبهت عليه؛ فليبتعد عنها، كما ينبغي أن يبتعد عنها من تابعه ممن لا علم عنده، وهذا نظير المتشابه من الآيات فإنه أمر إضافي، قال السيوطي في شرحه لسنن النسائي:«قد تكون أصول الشرع المختلفة تتجاذب فرعا واحدا تجاذبا متساويا في حق بعض العلماء، ولا يمكنه تصوير ترجيح، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه، ورده لبعضها يوجب حله، فلا شك أن الأحوط هنا تجنب هذا، ومن تجنبه وُصِفَ بالورع والتحفظ في الدين»، انتهى.
وقد اختلف في المراد من المشتبهات، فقيل هي ما تعارضت في حكمها الأدلة، وللتعارض قانون أصولي يرجع إليه، وقيل ما اختلف فيه أهل العلم، وهذا قد يلتقي مع الأول في بعض الصور، لأن من جملة أسباب الاختلاف التعارض، وقيل ما لا دليل على حله ولا على حرمته، وهذا يرجح بعضهم فيه الحل لأنه الأصل في الأشياء، ويرى بعضهم أنه حرام لظنه أنه الأصل، والأول هو الأقوى، وقيل إن المشتبهات هي المكروهات، وقيل