وهذا الأمر من الأهمية بمكان، وابن أبي زيد من الفقهاء الذين لم يجردوا الفقه كل التجريد من مسحة التزكية والتحلية، ومعالجة أدواء النفوس، والاهتمام بالباطن وأعمال القلوب، بسبب التخصص وهو هنا ضار بلا ريب، فهو لم يقتصر على الجوانب الظاهرة فحسب، بل إن حديثه عن الفقه العملي لم يخل من إشارات بين الفينة والأخرى إلى التزكية، ولعل الشيخ زروق قصد هذا المعنى حين قال:«وقد اعتنى بها الأوائل والأواخر، وانتفع بها أهل الباطن والظاهر، حتى صارت بحيث يهتدي بها الطالب المبتدي، ولا يستغني عنها الراغب المقتدي»، انتهى، وقد قيل إن ابن أبي زيد كان يجعل رسالته في محرابه الذي يتهجد فيه ليلا، ويدعو الله أن يجعلها مكان عقبه، لأنه لم يكن له عقب، وقد ذكر هذا الشيخ علي الأجهوري في شرحه، وأنه كان يدعو الله إثر كل صلاة أن يحبب الرسالة للخلق، وأن يقيمها له مقام وارث، لكن قد ورد ذكر ابنين لابن أبي زيد في سند إجازة الرسالة كما هو في فهرس ابن عطية. (١)، ولو ثبت هذا ما عارضه وجود أولاد له فيما بعد.
ويكفيك أن تقرأ مقدمة كتابه لتتأكد من هذه المسحة التي كسيت بها رسالته، فقد شحنها بالحديث عن القلب وأعماله مرات كقوله:«فآمنوا بألسنتهم ناطقين وبقلوبهم مخلصين»، وقوله يبين ما تضمنه الدين:«مما تنطق به الألسنة وتعتقده القلوب وتعمله الجوارح»، وقوله:«واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجى القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه»، وقوله:«وما عليهم أن تعتقده من الدين قلوبهم»، وقوله:«ليأتي عليهم البلوغ وقد تمكن ذلك من قلوبهم»، وقوله:«وقد فرض الله سبحانه على القلب عملا من الاعتقادات»، فلا ريب أن حديثه المتكرر عن أعمال القلوب ينبئ عن الاهتمام الذي يوليه إياها.
ومن ذلك أنه كثيرا ما يشير إلى روح العبادة والمقصود منها، وهي الإخلاص لله
(١) «نقلا عن قسم الدراسة مع غرر الرسالة» لمحمد بن منصور المغراوي.