للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها، ومعلوم أن العبادة لا بد فيها من النية، لكنها نوعان نية التقرب إلى الله بالعمل، ونية التمييز، إما تمييز العادة من العبادة فيما تشارك فيه هذه تلك في الصورة كالغسل، والإنفاق، وإما تمييز عبادة عن مثلها ويكون ذلك باستحضار شخص العبادة الخاصة بأن ينوي أنها طهر أو عصر مثلا، وقد اختلف الناس في لزوم نية التقرب، فذهب بعضهم إلى أن النية المعينة للعبادة ثقوم مقامها وتغني عنها لاندراجها فيها، وتضمنها إياها، وذهب آخرون إلى أنه لا بد منها معها، ومما يدل على عناية ابن أبي زيد بهذا الأمر قوله في مقدمة باب طهارة الماء والثوب والبقعة: «والمصلي يناجي ربه فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء».

وقال في خاتمة باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه: «ويجب عليه أن يعمل عمل الوضوء احتسابا لله تعالى لما أمره يرجو تقبله وثوابه وتطهيره من الذنوب به، ويشعر نفسه أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه، والوقوف بين يديه لأداء فرائضه، والخضوع له بالركوع والسجود، فيعمل على يقين بذلك وتحفظ فيه، فإن تمام كل عمل بحسن النية فيه».

وقال في باب صفة العمل في الصلوات وهو يتحدث عن الركوع: «وتعتقد الخضوع بذلك بركوعك وسجودك»، وقد تجد بعض الشراح يعدون هذه الومضات التي يبثها ابن أبي زيد في طوايا كلامه على الأحكام بمثابة الخروج عما ترجم له، أو يعدونه تبرعا منه، فاعجب إن شئت لهذا.

ومما مدح به هذه الرسالة القاضي عبد الوهاب أنها جمعت الفرائض إلى الزهد، وأن مؤلفها صدرها بالعقيدة، قال:

رسالة علم صاغها العلم النهد … قد اجتمعت فيها الفرائض والزهد

أصول أضاءت بالهدى فكأنما … بدا لعيون الناظرين بها الرشد

وفي صدرها علم الديانة واضح … وآداب خير الخلق ليس لها ند

ويدل على عناية ابن أبي زيد بهذا الجانب أنه خصه بمؤلفات عدة، منها كتاب الثقة بالله والتوكل عليه، وكتاب المعرفة واليقين، وكتاب المضمون من الرزق.

ومما يندرج في هذا ما ذكره القاضي عياض من أن ابن أبي زيد كتب إلى شيخه أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>