للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

٠٨ - «ولا يقتل أحد بعد أمان، ولا يخفر لهم بعهد».

ذكر هنا تأمين الكافر الحربي ومعاهدته فردا كان أو جماعة، ومعاهدة الكفار تكون مع الجزية، لكن لا مانع في حال ضعف المسلمين أن تكون معاهدة من غير جزية وهذا كان حال المسلمين إلى أن شرعت بعد غزوة تبوك، وأول جزية أخذت كانت من نصارى نجران كما في سنن أبي داود (٣٠٤١)، وروى أن النبي بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذ فأتوه به، فحقن دمه، وصالحه على الجزية، وفي حالة المعاهدة فإما أن يكون العهد مطلقا عن التوقيت، أي مبهما، وهذا ليس في المذهب، فإذا ظهر لإمام المسلمين نبذه أخبر الكفار بذلك، ويجوز أن يحدد العهد بمدة، والمذهب استحباب أن لا تزيد على أربعة اشهر! كما في مختصر خليل، فيتعين الوفاء بها ما لم يخل بها الكفار.

وقوله: لا يخفر لهم بعهد؛ يقال خفرت الرجل أخفره خفرا من باب ضرب، إذا أجرته وكنت له خفيرا تحميه وتمنعه، وأخفرته إذا نقضت عهده وغدرت به، والمعنى أن الكافر المحارب، غير الأسير؛ هو مهدر الدم، ما لم يؤمنه المسلم، فإذا أعطي الأمان؛ فلا يجوز قتله ولا ما يتنافى مع تأمينه لما في ذلك من الغدر، وقد قال رسول الله : «لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة»، رواه مسلم عن أبي سعيد، وفي رواية: «لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة يرفع بقدر غدرته، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة»، ونحوه في الصحيح عن ابن عمر وابن مسعود، وقال: «من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يَرَح رائحة الجنة» وهو في الصحيحة.

والحربي المستجير قسمان: أولهما: من استجار وقد بين أن غرضه معرفة أحكام الإسلام؛ فهذا يتعين إجارته ولا بد، لأمر الله تعالى بذلك في قوله: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)[التوبة: ٦]، وكلام الله تعالى قد تضمن أحكام الدين، فالمراد به هنا والله أعلم ما هو

<<  <  ج: ص:  >  >>