أعم من سماعه ومعرفة أحكام الشرع منه ومن سنة نبيه ﷺ، والثاني: المستجير الذي ليس كذلك، فهذا يرجع النظر فيه إلى ما فيه مصلحة للمسلمين ومنفعتهم، فإذا أجير؛ حرم التعرض له حتى يبلغ مأمنه، أي الموضع الذي يأمن فيه على نفسه، وهو بلاده، فإذا بلغها عاد حربيا، وهذا فيمن طلب الجوار ابتداء، أما من عثر عليه في بلاد المسلمين فادعى ذلك؛ فقد قال مالك: «إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين فقال: جئت أطلب الأمان، قال مالك: هذه أمور مشتبهة (في المدونة مشكلة)، وأرى أن يرد إلى مأمنه»، قال ابن القاسم: وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجرا بساحلنا فيقول: ظننت أن لا تعرضوا لمن جاء تاجرا حتى يبيع»، ذكرهما القرطبي في تفسيره (٨٧٦) وهما في المدونة.
والذي يعطي الأمان هو الإمام بالاتفاق، ومشهور المذهب أن غير الإمام من المسلمين الذكور والإناث والأحرار والعبيد والصغار الذين يعقلون معنى الأمان؛ مثل الإمام في لزوم الوفاء، ودليل لزوم ما تقدم من الاستئمان والمعاهدة الأمر بالوفاء بالعهد في كتاب الله ومنه قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، وقوله: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)﴾ [الإسراء: ٣٤]، وقوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)﴾ [الأنفال: ٥٨]، ولقول النبي ﷺ:«من كان بينه وبين قوم عهد؛ فلا يشد عقدة، ولا يحلها؛ حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ لهم على سواء»، رواه أحمد وأبو داود والترمذي (١٥٨٠) عن عمرو بن عبسة، وقال حسن صحيح، والمراد بالنهي عن حل العقدة وشدها؛ عدم تغيير شيء مما اتفق عليه في العهد من جانب واحد، تأكيدا للزوم الوفاء، وإلا فلا مانع من الزيادة فيه أو تعديل شيء منه بالاتفاق، والأمد مدة العهد، والنبذ الطرح، أي إخبارهم بإنهاء العهد، وقوله على سواء، أي ليكون خصمه مساويا له في العلم بالنقض، حتى لا يكون ذلك منه غدرا، ولهذا الحديث قصة ذكرها الترمذي، وهي أن معاوية ﵁ كان بينه وبين أهل الروم عهد، وكان يسير في بلادهم، حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم، فإذا رجل على دابة أو على فرس، وهو يقول: «الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، وإذا هو عمرو بن عبسة فسأله معاوية عن ذلك فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: فذكره، فرجع معاوية بالناس، قال الترمذي: حسن صحيح،