للحق، واستدلال بأمور في غير محلها، مع عدم فعل النبي ﷺ له والداعي كان قائما، والمانع مفقودا، مع حثه على تقصير الخطبة، وتطويل الصلاة، وتخوله أصحابه بالموعظة، وكون هذا الدرس اليوم مرتبا لا يتخلف، ولا يتأتى لمن كان بالمسجد أن يصلي أو يذكر لأن الحلقة عامة، ومكبرات الصوت مانعة.
وثالث الأمور التي تُفعل في المساجد ما كان متمحضا للدنيا، فلا تشرع في المساجد كنشدان الضالة والبيع والشراء، وقد روى الطبراني عن ابن مسعود مرفوعا:«سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقًا حلقًا، أمامهم الدنيا فلا تُجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة»، وقال الله تعالى: «﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (٣٧)﴾ [النور: ٣٦ - ٣٧]، ومعنى إِذْنِ الله برفعها أمره بذلك، ومن رفعها بناؤها، ومنه تعظيمها وتطهيرها وتنظيفها، فتبعد عنها الأقذار والنجاسات، وقد قال الله تعالى عن البيت الحرام: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)﴾ [البقرة: ١٢٥]، أي طهراه من كل رجس حسي أو معنوي، والشرك أعظم رجس يجب أن تطهر منه المساجد لأنه يتنافى مع ما بنيت له تنافيا تاما، ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)﴾ [الحج: ٢٦]، وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ (١٧)﴾ [التوبة: ١٧]، ومن أعظم مظاهر الشرك أن يكون في المسجد قبر يتوجه إليه الناس، أو يتقصدون الصلاة فيه لأجل ذلك، وإن كان المنع حاصلا ولو لم يكن ذلك، قال النبي ﷺ:«لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، ومن العجب أن تسكت الجهة الحاكمة على دفن بعض الناس في المساجد مع أن القانون الذي أعدوه هم بأنفسهم يحظر ذلك، وقد حصل هذا في مدينة عين مران بولاية الشلف في شهر رمضان من سنة (١٤٣٨)، ولم تنفع احتجاجات المحتجين.
وقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات، فسأل النبي ﷺ عنه فقالوا:«مات»، قال: «أفلا كنتم آذنتموني به؟، دلوني على قبره،