للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى مالك عن البياضي أن رسول الله خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: «إن المصلي يناجي ربه، فلينظر أحدكم بما يناجيه؟، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن»، فإذا كان الجهر بالقرآن في الصلاة وهو مشروع في الأصل في الفريضة، والنافلة، قد نهي عنه إذا كان فيه تشويش على المصلين؛ فكيف بغير ذلك كقراءة القرآن في غير الصلاة، وكيف بالأذكار التي لا تشرع فيها الجماعة، وكيف بالدرس يختار له ما بين الأذان والإقامة أو بعد انقضاء الصلاة حتى لا يتفلت الناس مما يريد أن يسمعهم المدرس إياه طوعا أو كرها؟.

أما الكلام الدنيوي إذا شوش على المصلين فلا ريب في حرمته، قال ابن عبد البر في الاستذكار وهو يشرح حديث البياضي: «وإذا كان هذا هكذا فحرام على الناس أن يتحدثوا في المسجد بما يشغل المصلي عن صلاته، ويخلطوا عليه قراءته، وواجب لازم على كل من يطاع أن ينهى عن ذلك، لأن ذلك إذا لم يجز للمصلي التالي للقرآن، فأين الحديث بأحاديث الناس من ذلك»؟، انتهى.

ونقل عن مالك كراهة تعليم الصبيان في المسجد لما فيه من تعريضه للقذر والتنجس، ورفع الصوت فيه بالعلم، ولا شك أن ما يفعل في بلادنا من قراءة القرآن جماعة فيما يسمى بالحزب بين الأذان والإقامة أنه لا يشرع من هذه الحيثية، مع عدم مشروعية أصله، أعني القراءة جماعة، فإن مذهب مالك كراهتها، ومن ذلك الدرس الذي يتحين بعض الأئمة إلقاءه بين الأذان والإقامة يهتبلون اجتماع الناس للصلاة فيسمعونهم راغبين أو مكرهين، وكذا درس الجمعة المرتب المستعمل فيه مكبر الصوت، فإن الداخل لا يقدر على أن يتم صلاة ركعتين تحية المسجد، وهذا بقطع النظر عن الخلاف في أصل مشروعيته، وقد جد بعض الإخوان في التأصيل لمشروعيته تارة ببيان أن حديث ابن عمرو الوارد فيه ضعيف، وقد جد بعضهم في ذلك بحشد كلام أهل العلم واختلافهم فيه، مع أن الأئمة الأربعة قد أخذوا بحديثه، وتارة بأن الدعوة إلى الله لا ينبغي أن يحجر عليها فتمنع في الأوقات التي تتيسر، والجمعة مناسبة لذلك، وتارة بما جاء عن بعض السلف من تحلقهم، ومن نظر فيما ساقوه من الأدلة وقف على تهافتها وأنها مجرد تبرير لواقع مخالف

<<  <  ج: ص:  >  >>