مما يستدل به على أفضلية المشي مع الجنازة على الركوب؛ ما رواه أبو داود (٣١٧٩) والترمذي وغيرهما عن ابن عمر أنه رأى النبي ﷺ وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة»، وهو في الموطإ (٥٢٦) بنحوه مرسلا، فهذا فيه أمران:
أولهما: المشي، وهو أولى من الركوب، قال ابن عبد البر:«ليس الركوب بمحظور، ولكن المشي لمن قدر عليه أفضل إن شاء الله»، قال ابن أبي زيد في نوادره:«ويكره أن يشيعها راكبا تقدمها، أو تأخر عنه … ».
قلت: مما يستدل به على كراهة الركوب للقادر على المشي حديث ثوبان الذي رواه داود (٣١٧٧) أن رسول الله ﷺ أتي بدابة وهو مع الجنازة، فأبى أن يركبها، فلما انصرف أتي بدابة فركب، فقيل له، فقال:«إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت»، قوله «فقيل له»، حذف المقول للعلم به، أي لمَ أبيت الركوب؟.
والأمر الثاني الذي في حديث ابن عمر هو كون الماشي أمام الجنازة، وهو جائز أيضا، لوروده من فعل النبي ﷺ رواه أصحاب السنن الأربعة (د/ ٣١٧٩) عن سالم عن أبيه قال: «أنه رأى النبي ﷺ وأبا بكر وعمر وهم يمشون أمام الجنازة».
وقد يفضل المشي خلفها لاعتضاد فعله ﷺ بظاهر قوله في حقوق المسلم على المسلم الست:«وإذا مات فاتبعه»، وظاهر تصرف الإمام مالك من الآثار التي أوردها في الموطإ أنه يرى المشي خلف الجنازة مخالفا للسنة.
فإن كان المشيع للجنازة راكبا فينبغي أن يكون خلفها لظاهر قوله ﵌:«الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها، وأمامها، وعن يمينها، وعن يسارها قريبا منها … »، الحديث، رواه أبو داود (٣١٧٩) وابن ماجة عن المغيرة بن شعبة، وفيه زيادة على ما تقدم المشي قريبا من الجنازة عن يمينها وعن يسارها.