الجمع في البيان بين المنطوق والمفهوم جرى عليه مالك كثيرا في موطئه، والمؤلف نفى حق الشفعة فيما قد قسم هنا بالمنطوق تأكيدا لنفيه بمفهوم قوله:«إنما الشفعة في المشاع»، لأن الشياع يزول بالقسمة، أما أنه لا شفعة للجار فلأنه غير مخالط، ولا شك أن الحدود بين ملكه وملك جاره قد وقعت، فلم يعد الملك مشاعا، ولا وجد من الضرر الذي شرعت الشفعة لأجله ما يتعين دفعه، ولأن الشفعة جاءت مخالفة لأصل حرية تصرف المالك في ملكه فلا يُتعدى بها ما نص عليه، لكن روى البخاري وغيره عن أبي رافع ﵁ قال، فال رسول الله ﷺ:«الجار أحق بسقبه»، والسقب بالسين والقاف المفتوحتين وجاء بالصاد أيضا هو القرب والمجاورة، وقد تأولوه على معنى أنه أولى بمعروفه ومعونته، قال في النهاية:«ويحتمل أن يكون أراد أنه أحق بالبر والمعونة بسبب قربه من جاره»، قال الشيخ أحمد شاكر:«وهذا الاحتمال أظهر عندي في معنى الحديث».
قلت: يرد هذا الاحتمال سبب ورود الحديث عند ابن ماجة عن عمرو بن شعيب، عن عمرو بن الشريد بن سويد عن أبيه الشريد بن سويد، قال: قلت يا رسول الله، أرض ليس فيها لأحد قسم ولا شريك إلا الجوار؟ قال:«الجار أحق بسقبه».
ومع هذا فقد جاء في إثبات الشفعة للجار حديث جابر ﵁ قال، قال رسول الله ﷺ:«الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا»، رواه أحمد وأصحاب السنن (د/ ٣٥١٨)، وحديث أنس بن مالك ﵁ قال، قال رسول الله ﷺ:«جار الدار أحق بدار الجار»، رواه النسائي وابن حبان، وهو في سنن أبي داود (٣٥١٧) والترمذي عن الحسن عن سمرة، وحديث الطبراني عن سمرة مرفوعا:«جار الدار أحق بالشفعة»، فهذه نصوص قد ذكر فيها الجار، ونص فيها على حق الشفعة له، فلا مساغ لتأويلها، ولا مناص لمن صححها من الأخذ بها، مع أن الدليل قد قام على أن الجار يعرض ما يريد بيعه