ويؤخذ ذلك أيضا من سؤال إبراهيم ﵇ بقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)﴾ [البقرة: ٢٦٠]، فقد سأل عن كيفية إحياء الموتى فأمره أن يضم إليه أربعة من الطير وأن يذبحهن وأن يخلط أجزاءهن ثم يضع على كل جبل منهن جزءا، فاجتمعت أجزاء كل طائر إلى بعضها حتى اجتمعت جميعا، ووضع أجزائها على الجبال فيه تحقيق تفرقها وإبعاد بعضها عن بعض بحسب الإمكان، فهذا يدل على المقصود لأن الله تعالى يستوي في قدرته التفريق الذي أمر به إبراهيم ﵊ وغيره ممل كان تفرق أجزائه أكثر.
وفي كلام المؤلف ردٌّ على من زعم أن الإعادة تكون من عدم محض، لا للأجسام التي فنيت، لأن إعادة المعدوم بعينه عندهم غير ممكنة، لما تستلزمه من إعادة جميع أعراضه وصفاته كلها، ومنها الزمان، فقالوا باستحالة الإعادة، وهذا باطل لمخالفته ما دلت عليه نصوص كثيرة قد تقدم بعضها في خصوص الناس.
وقوله:«كما بدأهم يعودون»، استعمل المؤلف صيغة الغيبة انسجاما مع السياق لقوله: وأن الله يبعث من في القبور، والقراءة ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩]، والمقصود أن الله تعالى الذي خلقكم قادر على بعثكم وإحيائكم، بل إن الإعادة أهون من البدء لكن ذلك في أعراف الناس، وعقولهم، أما عند الله تعالى فالكل سواء، فأفعل التفضيل ليس على بابه في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].
وفي القرآن آيات كثيرة تتضمن الاستدلال على بعث الموتى مردها إلى أمور ثلاثة هي:
١ - خلق الإنسان من العدم، فإن الذي خلقه قادر على بعثه وإحيائه، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨)﴾ [مريم: ٦٦ - ٦٨]، وقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩].