وأما الإجماع فإطباق الأمة كافة سوى هذه الفرقة المبتدعة وأن المنة لله تعالى في هدايته لخلقه، وهو منفرد باستحقاقها متوحد باستيجابها (كذا)، وليس ذلك إلا لانفراده بها، وأنه غير مشارَك فيها، وعلى أن ما قالوه يوجب أن يكون إبليس مضلا للأنبياء وسائر المؤمنين لدعائه إياهم إلى الضلال، وتسميته بذلك، وكذلك يجب أن يكون النبي ﷺ والمؤمنون مضلين للكافرين لتسميتهم إياهم ضالين، وحكمهم عليهم بذلك، وهذا باطل بإجماع الأمة، وبالله التوفيق»، انتهى.
وقد حكي أنه اجتمع عبد الجبار الهمداني، وأبو إسحاق الإسفراييني، فقال عبد الجبار:«سبحان من تنزه عن الفحشاء»، (يعرض بما يقوله الإسفراييني، وهو خلق الله أفعال العباد خيرا كانت أو شرا)، فقال:«سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما يشاء»، فالتفت إليه عبد الجبار وعرف أنه فهم عنه، فقال:«أفيريد ربنا أن يعصى»؟، فقال أبو إسحاق:«فيعصى ربنا قهرا»؟، فقال عبد الجبار:«أرأيت إن منعني الهدى، وكتب علي الردى، أحسن إلي أم أساء»؟، فقال أبو إسحاق:«إن منعك ما لك فقد أساء، وإن منعك ما له فيفعل في ملكه ما يشاء»، فانصرف الحاضرون وهم يقولون: ليس عن هذا جواب، ذكره الشيخ زروق في شرحه.
ومن الحكايات التي تبين فساد مذهب المعتزلة في القدر، ونفيهم إرادة الله تعالى الكونية القدرية، وأن العوام يتفطنون لهذا الفساد فضلا عن طلاب العلم؛ أن أعرابيا جاء إلى عمرو بن عبيد فقال له:«ادع الله لي أن يرد علي حمارة سرقت مني»، فقال:«اللهم إن حمارته سرقت، ولم ترد سرقتها، فارددها عليه»، فقال الأعرابي:«يا هذا، كف عني دعاءك الخبيث!!، إن كانت سرقت ولم يرد سرقتها؛ فقد يريد ردها ولا ترد»(١).
وقوله:«وكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه وقدره من شقي وسعيد»، التيسير هو التسهيل ضد التعسير، والسعادة يراد بها هنا فوز المرء بدخول الجنة ابتداء، أو بعد عقابه بالنار، والسعيد لغة المتلبس بالسعادة، وهي الحالة الحسنة الخيرة الملائمة للمتصف بها،
(١) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب سورة الشمس للشيخ محمد الأمين الشنقيطي.