للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشقي المتلبس بالشقاوة، وهي الحالة السيئة التي ينفر منها طبع المتلبس بها، وأما هنا فالمراد بها الخلود في النار، ولا يخلد فيها إلا المشركون، فإن من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئا دخل النار، والسعيد من سبق في علم الله أنه سعيد، والشقي من سبق في علم الله أنه كذلك، ولا يتم شيء من ذلك إلا بإرادة الله تعالى، فأما ما جاء في الصحيحين (١) عن ابن مسعود عن النبي قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد،،، الحديث»، فإن المراد منه إطلاع الملك على هذه الأمور، لا أنها جديدة في علم الله، وروى الشيخان وغيرهما (٢) عن علي بن أبي طالب عن النبي قال: «ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة»، فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟، فقال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ الآيتين.

وليس حتما أن يكون أمر الناس في خاتمتهم كما هو ظاهرهم، وإن كان المرء يموت على ما عاش عليه في الغالب، ولذلك جاء في الحديث المتفق عليه من رواية سهل بن سعد، وفيه قصة قوله : «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة» (٣)، وزاد البخاري في رواية: «وإنما الأعمال بالخواتم»، وقال بعضهم إن هذا الذي يختم له بخلاف ما كان عليه من الخير إنما كان لدسيسة شر فيه علمها الله منه ولم يعلمها غيره فختم له بذلك، ويقال بعكيه في خلافه.

والمرء لا يدري بما ذا يختم له، ولا يعلم ما سبق في علم الله بشأنه إلا بعد حدوثه،


(١) متفق عليه: البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣).
(٢) رواه البخاري (٤٩٤٥) ومسلم (٢٥٣٨).
(٣) رواه البخاري (٢٨٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>