مما جاءت به هذه الشريعة الغراء، تمييز الأشياء بعضها عن بعض، والابتعاد عن اللبس والخلط في الاعتقاد والقول والعمل، فما حرم الله من الأشياء ليس كما أحل، ولذلك كان قول الحرام فيه كفارة، وكان الدعي ليس كالولد، والمسلم ليس كالمجرم، وجاء اللعن لمن ادعى إلى غير مواليه، والزوجة المظاهر منها ليست أما، قال الله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)﴾ [الأحزاب: ٤]، وإنما تجاوز ربنا عنا إذا قلنا خطأ عن غير الولد ولدا، ومثله غيره مما نغلب عليه، قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥)﴾ [الأحزاب: ٥]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)﴾ [المجادلة: ٢]، وفي مختصر خليل:«وأدب قائل يا أمي ويا أختي»، والظهار من هذا القبيل وهو أن المظاهر في الجاهلية كان يرمي بقوله ذاك إلى تأبيد التحريم للمظاهر منها بتشبيه ما أحل الله له بما حرم عليه، فألغى الإسلام تأبيد التحريم، لكنه اعتبره منكرا من القول وزورا، وشرع له كفارة لشناعته، ومنع القربان قبل التكفير عنه، وسمي ظهارا لأن أصله أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي، أي حرام علي قربانك كما يحرم علي قربان أمي، وإنما كان أصل الظهار هذا القول لأن الأم أقوى المحارم تحريما ولذلك ابتدأ الله تعالى ذكر المحرمات بذكرها، وحد الظهار عندهم أنه «تشبيه مسلم مكلف امرأته بمحرمة عليه»، فخرج بالمسلم الكافر فلا يعتبر ظهاره.
فإن قلت: فلم اعتبر إيلاؤه؛ فالجواب: أن الظهار معصية تُكَفَّرُ، ولا سبيل للكافر