وأول ما يثبت به القتل البينة، وهي ما يبين الحق ويظهره، شهادة كانت أو غيرها، وهو يريد بها هنا خصوص الشهادة، وأقل ذلك شهادة رجلين عدلين، يشهدان على أنه قتله، ويتفقان في الوصف، فلو قال أحدهما قتله بالخنجر، وقال الآخر بحجر لم تقبل الشهادة، ولا يثبت القتل برجل وامرأتين كما هو الشأن في الأموال المنصوص عليها بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، لكنهم إنما اشترطوا الرجلين في ثبوت القتل الموجب للقصاص، أما إذا آل الأمر إلى قبول الدية من الأولياء فيكتفى برجل وامرأتين كما قاله ابن شاس في الجواهر، ووجهه والله أعلم أن الشهادة مع استبعاد القصاص صارت من قبيل إثبات حق مالي وإن كان سببه القتل.
والأمر الثاني: إقرار الجاني بجنايته بأن يشهد رجلان على ذلك، بشرط أن يكون مختارا، فإن أكره على الإقرار فلا عبرة باعترافه، ومثل المكره الصبي والمجنون، وإقرار المكلف على نفسه أقوى أدلة الثبوت لأن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها، ولأن النبي ﷺ اعتمد في إثبات الحد على اعتراف الغامدية وماعز وغيرهما، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢)﴾ [الأعراف: ١٧٢]، وقال: ﴿قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (١٣٠)﴾.
[الأنعام: ١٣٠]
والثالث: القسامة، بيد أنها ليست بينة بنفسها بل متى قبلها الأولياء وصحبها ما لا بد منه، مما ينبغي أن يتوفر في الجاني، من التكليف والكفاءة وعدم الوالدية، وعدم عفو بعض الأولياء، وبشرط أن يكون الحالفون رجالا، وأن يكونوا اثنين فأكثر في استحقاق القصاص، ولذلك قال:«إذا وجبت»، أي إذا تعينت طريقا لإثبات القتل، بأن قبلها أولياء