والمقصود أنه لا بد من مراعاة ما كان عليه الصحابة عموما والخلفاء الراشدون خصوصا، فقد امتدحهم الله تعالى وأثنى عليهم في كتابه وأوصى بهم رسوله، وبين أن النجاة فيما كان عليه هو وهم، وأخصهم من خلفه في أمته ممن نص على خلافتهم في حديث سفينة حيث قال:«الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك»، رواه أحمد والترمذي وعيرهم، وقد أمر باتباع سنتهم وذكرها معطوفة على سنته، فيعتمد عليهم في فهم كلام الله وكلام رسوله ﷺ، وترك الخروج عما أجمعوا عليه، فإن إجماعهم هو الذي حظي بالإجماع.
وما قاله بعض أهل العلم من المحدثين في هذا العصر من أنه لا بد من ضميمة يعتمد عليها في فهم نصوص الكتاب والسنة وهي فهم السلف ليس مما يستغرب، وإنكاره هو المستغرب، وقد قال النبي ﷺ وهو يبين الفرقة الناجية:«ما أنا عليه وأصحابي»، ولا شك أنه لا يريد بذلك حال أصحابه في حياته، فإن الإجماع في حياته لا يحتاج إليه كما هو معلوم في علم الأصول، والخيرية التي شهد بها النبي ﷺ للقرون الثلاثة على الترتيب تشمل هذا المعنى، وهي كونهم كانوا على الحق، فمن جهل سبيلهم زل، ومن خالفها غوى وضل.
ولهذا المعنى عني أهل العلم منذ القرن الثاني بنقل أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم وسلوكهم فيما يعرف بالمصنفات كمصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة وموطإ مالك وغيرها من الكتب، وأدخل أهل الحديث في علم مصطلحه الموقوفات على الصحابة والمقاطيع على التابعين ومن دونهم، وعني أهل التفسير كالطبري وابن أبي حاتم وغيرهما بنقل أقوالهم في تفسير القرآن.
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٤/ ٩٨): «فما ظهر فيمن بعدهم مما يظن أنه فضيلة للمتأخرين ولم تكن فيهم؛ فإنها من الشيطان، وهي نقيصة لا فضيلة، سواء. كانت من جنس العلوم، أو من جنس العبادات، أو من جنس الخوارق والآيات، أو من جنس السياسة والملك، بل خير الناس بعدهم أتبعهم لهم»، انتهى.
وقال ابن كثير في تفسيره (٧/ ٢٧٨): «وقوله تعالى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه»، أي قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيرا ما سبقنا