١٦ - «ولا يأكل من فدية الأذى، وجزاء الصيد، ونذر المساكين، وما عَطب من هدي التطوع قبل محله، ويأكل مما سوى ذلك إن شاء».
لما ذكر حكم الأكل من الأضحية؛ قاده ذلك إلى استيفاء الكلام على ما يؤكل منه من الهدي والنسك، وما لا يؤكل منه، وينحصر ذلك في أربعة أقسام: ثلاثة منها لا يجوز الأكل منها إذا بلغت محلها، وهو منى إن كان قد وقف بها في عرفة، وكان الذبح في أيام النحر، ومكة إن لم يقف بها، أو انتهت تلك الأيام، فإن لم تبلغ محلها؛ جاز الأكل منها، وعللوا ذلك بأنها إن لم تبلغ محلها ضمنها:
أولها: فدية الأذى، وهي ما ترتب على فعل محظور من محظورات الإحرام، والثاني: جزاء الصيد ممن كان محرما أو في الحرم، والثالث: نذر المساكين، وإنما لم يسغ له الأكل من هذه الثلاثة؛ لأنها كفارة، والمرء لا يأكل من كفارته، وفي نذر المساكين قد أخرج نفسه بجعله لهم، والرابع مما يمتنع الأكل منه هدي التطوع إذا عَطب قبل أن يبلغ محله، وذلك لأنه لا يجب عليه بدله، فهو متهم على عطبه، انظر النوادر والزيادات (٢/ ٤٥١).
وقد روى مسلم (١٣٢٦) عن ذؤيب بن حلحلة قال: كان النبي ﷺ يبعث معه بالبدن ثم يقول: إذا عَطب منها شيء فخشيت عليها موتا؛ فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تَطعَمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك»، ومثله حديث ناجية في الموطإ وسنن أبي داود (١٧٦٢) والترمذي، لكن هذا إنما يصلح دليلا على عدم الأكل من هدي التطوع إذا عطب قبل محله، وقد علمت توجيه عدم الأكل من غيره.
وقوله «ويأكل مما سوى ذلك إن شاء»؛ إشارة إلى ما يجوز الأكل منه، وهو الممنوعات الثلاثة السابقة إذا لم تبلغ محلها: فدية الأذى، وجزاء الصيد، ونذر المساكين،