٠٣ - «ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا، وكذلك الذهب بالذهب».
لعل المؤلف أراد بقوله «ومن الربا في غير النسيئة» بيان أن ما جاء عن النبي ﷺ من قوله: «لا ربا إلا في النسيئة»، وهو من رواية الشيخين عن ابن عباس ﵄، وله ألفاظ كلها دالة على الحصر على تفاوت في قوتها، فبيّن المؤلف بهذا أنه ليس المراد منه نفي الربا في غير ذلك، بل المراد بيان ما كان منه أعظم وأكثر إثما من غيره، ولأن الاعتماد على هذا الحديث في نفي الربا عما عداه هو بالمفهوم، وقد جاء المنطوق يوسع دائرة الربا فيقدم عليه، وقيل إنه منسوخ.
إذا تبين لك فاعلم أن العوضين في البيع قسمان: أحدهما هو الذي أوكل الشرع فيه التحديد إلى المتعاقدين على حسب ما يريانه من مالية العوضين، أو يتنازل أحدهما للآخر لداع ما، وهذا القسم الذي جوز الشرع فيه تأجيل قبض أحد العوضين نوعان: أن تكون قيمة المبيع في منزلة ما يتغابن الناس بمثله، أي ما يكون فيه الغَبن مما يقره العرف، فهذا حلال بالاتفاق، أما ما خرج في التغابن عن المعتاد، فالظاهر أن يفرق بين العاقد العارف بسعر ذلك المبيع وغير العارف، فإن كان الأول فالأصل عدم الخيار لوجود التراضي، وقيل له الخيار إذا زاد الغبن عن الثلث، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن البيع بيع أمانة، ولا مرابحة، ولا بيع حاضر لباد، ولا سلعة تولى الحاكم تسعيرها، ولا غير ذلك مما يكون مظنة للتغرير، وحد بعضهم الزيادة بالثلث مطلقا، وانظر المسالك (٦/ ١٦٧) لابن العربي.
أما القسم الثاني فهو الذي تولى الشرع نفسه تحديد العوضين فيه، كما تولى بيان أجل قبضه، فلا يجوز الزيادة عليه، وذلك في الأموال الربوية التي سيأتي ذكرها، وما قيس عليها عند من ذهب إلى القياس، وكل ما لم تجز فيه الزيادة لا يجوز تأجيل قبضه، ومن هذا