جاء في الآية بصيغة العموم، وبلغ به سبحانه قدر الطاقة، ويدل على ما قلت قوله تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، فإن هذا في معنى التلعيل للأمر بذلك الإعداد، وإرهاب العدو بقوة المسلمين؛ قد يكون من موانع حصول القتال، إذ كيف يقاتل من لا يعلم؟، وقد قال بعض المفسرين إن المراد بمن لا يعلمهم المسلمون في الآية من الأعداء؛ هم بنو قريظة، وقيل هم أهل فارس، وقيل المنافقون، فالمقصود أن الكفار متى علموا بقوة المسلمين وشوكتهم؛ لم يتجرأوا على حربهم وظلمهم، وبهذا يتبين أن إعداد القوة باستمرار من وسائل منع القتال، لا من مقدمات حصوله، وقد شاع في هذا العصر ما يعرف بأسلحة الردع التي تمنع القتال، وعلم الناس مصطلح الحرب الباردة وسباق التسلح.
فإن قيل: فقول الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)﴾ [البقرة: ١٩٣] فالجواب: أن المراد بالفتنة أن يفتن المسلم عن دينه، فأما أن يكون الدين لله، فليس معناه إسلام جميع الناس، بل المراد أن يكون للإسلام السيطرة والغلبة، وذلك بدفع الكفار الجزية، وإذا فسرت الفتنة بالشرك من بعض السلف؛ فإن ذلك لا ينافي ما تقدم، إذ لا يصح أن يكون المراد بها الشرك مجردا بالإجماع، لأن الشرع قد أقر الكفار على دينهم إذا قبلوا دفع الجزية، فيكون المراد بالفتنة الكفر مع ما يصحبه من منع الناس من حرية دينهم، أو منع الدعوة إلى الله أن تأخذ طريقها إليهم، وهذا لا يجتنب
غالبا إلا إذا كان لسلطان الإسلام الهيمنة على الحياة، ولذلك جمع نفي الفتنة مع كون الدين كله لله.
وقد تنازع الناس في علة قتل الكافر هل هي مجرد كفره، أو هي المحاربة، وما يترتب على الكفر غالبا من ظلمه وعدوانه وتسلطه، والظاهر من الأدلة أن الصواب: هو القول الثاني، وتظهر ثمرة الخلاف في جواز قتل الزمن من الكفار والمريض والشيخ، فالمالكية يقولون لا يقتلون، وقال الشافعية يقتلون، وعللوا ترك قتل النساء والصبيان بأنهم مال، والمال لا يتلف، ومع الخلاف السابق في علة القتل اتفقوا على أن الجهاد فرض كفاية مستمر لا يستثنى منه غير أهل الذمة والمعاهدون، لأن هناك فرقا بين مشروعية قتال