الكتاب، ويدخل في ذلك أيضا المعاهدون عهدا مطلقا أو مؤقتا ولو من غير جزية لضعف المسلمين، فيكون قتالهم ممنوعا بلا نزاع، وقد يقال إن عموم الحديث مراد به خصوص مشركي العرب في جزيرتهم لكونهم لا يقبل منهم غير الإسلام، وقد أدرج بعض المتقولين على الله تعالى هذا الحديث ضمن كتاب له سماه حديث خرافة واعتبره لفرط جهله وتقوله معارضا لقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦]، وهذا شأن أهل الباطل يضربون نصوص الوحي بعضها ببعض.
أما قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)﴾ [التوبة: ١٢٣]، فإنه أمر منه سبحانه بتقديم مقاتلة من يلي المسلمين من الكفار لدفع الضرر القريب الماثل قبل البعيد، كما هو مطلوب في إيصال النفع للقريب قبل البعيد، قيل أراد سبحانه بهم الروم سكان الشام، والشام أقرب إلى المدينة من العراق، وقيل أراد قبائل قريظة والنضير وخيبر ونحوها، وقد نسب لابن المبارك أنه كان يرى تقديم قتال أهل الكتاب على غيرهم، لأنهم يقاتلون عن دين، وقيل في توجيهه إنه لما كان جهاده تطوعا كان يقصد الجهة التي يراها، وقد أنكر أحمد قوله، ورأى أن الأولى أن يقاتل من كان قريبا من بلاد الإسلام كما هو أمر الله، وقد يكون معتمد ابن المبارك ما رواه أبو داود (٢٤٨٨) عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: «جاءت امرأة إلى النبي ﷺ يقال لها أم خلاد،،، فذكر الحديث، وفيه قوله ﷺ: «ابنك له أجر شهيدين»، قالت:«ولم ذاك يا رسول الله»؟، قال:«لأنه قتله أهل الكتاب»، فهذا لو صح لكان حجة في المسألة.
فإن قيل: فقول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ (٦٠)﴾ [الأنفال: ٦٠]، فَلِمَ تُعَدُّ القوةُ إذا كان من المشروع معاهدة الكفار ومهادنتهم؟؛ فالجواب: أن الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة، والأمر به لا يلزم منه القتال بالفعل، وإنما فيه الحض على الاستعداد الدائم للقتال المتوقع، لكن قد لا توجد أسبابه، وإعداد القوة لا يتأتى على وجه السرعة، ولا سيما في هذا العصر الذي ازدادت فيه العناصر التي تتوقف عليها القوة، وقد