للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾، انتهى، فأنت ترى أن ابن كثير جعل معنى الآيتين واحدا في السورتين، وقد نسب صاحب الدر المنثور لمقاتل أن هذه الاية نسخت كل رخصة، وهذا فيه نظر أيضا، لأن قوله تعالى: ﴿كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾؛ خرج مخرج التعليل للأمر بالقتال، فهو راجع إلى معنى آية سورة البقرة، وقد جعلها ابن كثير مثلها كما علمت، ومثله ابن العربي أيضا في أحكام القرآن، ونظيره في التعليل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)[البقرة: ١٩٨]، ولأن ذلك الأمر إنما أريد به الاحتراس من أن يظن المسلمون أن نهيهم عن أن يظلموا أنفسهم في الأشهر الحرم؛ يشمل ترك قتال المشركين إذا قاتلوهم فيها، وهذا يظهر مدى تحفظ المسلمين في القتال والتزامهم فيه أقصى درجات الحيطة مع ما كانوا يعانونه من فرط العدوان، والظلم والطغيان، أما قول الله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (٥)[التوبة: ٥]، فلا يصح أن يستدل به على قتال عموم الكفار، فإنه وارد في الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد مطلق من مشركي العرب كما يدل عليه ما جاء في أول السورة، ولجزيرة العرب خصوصية ليست لغيرها من البلدان، فإنها دار الإسلام الأولى فلا يصح أن يقر فيها دينان.

لكن جاء الأمر بقتال الكفار من أهل الكتاب في قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)[التوبة: ٢٩]، وقيد ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، لا يدل على عدم مقاتلة غيرهم، فإنه إذا جاء الأمر بقتال من تؤكل ذبائحهم ويتزوج من نسائهم فغيرهم أولى بأن يقاتلوا كما لا يخفى، ولهذا كان ذلك القيد عند بعض العلماء مانعا من إقرار غير أهل الكتاب على دينهم بأخذ الجزية منهم كما سترى.

أما قول النبي : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله،،، الحديث؛ فليس معناه أنه لا يكف عنهم حتى يسلموا، بل إنه إما مخصوص بآية الجزية في قتال أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>