للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ (١٣٠)[طه: ١٣٠]، وقوله تعالى: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)[الغاشية: ٢٢]، فليس معناه النسخ المصطلح عليه، وأي ضير أن تعتبر آية السيف مخصصة لما دلت عليه هذه الآيات ونحوها في حق المحاربين بعد التسليم بوجود التعارض، فيقال لسنا مطالبين بأن نقول للمحاربين حسنا، ولا أن نعرض عنهم، ولا أن نصبر على أذاهم متى كنا قادرين على رد عدوانهم ودفع شرهم، وهذا لا يمنع أننا مطالبون بالإحسان حتى في قتلهم وأسرهم، لكن هذا باب آخر، وقد يقال إن قول الحسن لهم مطلوب وهو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر

خذ مثلا أمر الله تعالى المؤمنين بقتال من يقاتلهم فقال: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)[البقرة: ١٩٠]، فقد جاء عن أبي العالية أن هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله، ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت سورة براءة، وقال مثل ذلك عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وذهب إلى أنها منسوخة بقوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (٥)[التوبة: ٥]، ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، وليس القول بالنسخ هنا بينا، لأن قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾؛ إن حمل على قتال من يقاتلنا بالفعل، فالأمر لا نزاع فيه، ومع ذلك يدخل فيه المحاربون المتهيئون للقتال ولو لم يباشروه، أما أنها منسوخة بالآية التي في سورة براءة؛ فما الداعي إلى ذلك؟، فإن في سياق سورة البقرة قوله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾، وهو بمعنى ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ التي في آية سورة براءة، وإنما جاء الأمر في سورة البقرة لرفع الحرج الذي كان المسلمون يشعرون به إن هم قاتلوا المشركين عام دخلوا مكة معتمرين عمرة القضاء، فقد تحرجوا أن يقاتلوا وهم محرمون وفي الحرم، ويؤخذ من الآية أن القتال إنما يشرع لمن كان من شأنه أن يقاتل، فيخرج النساء والصبيان ونحوهم، وقد حمل الآية على هذا المعنى ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد، فلا تكون منسوخة على هذا القول أيضا، قال ابن كثير يرد على دعوى النسخ: «وفي هذا نظر، لأن قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾؛ إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله، أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم،

<<  <  ج: ص:  >  >>