للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعقيب على القتال فيما قبل الإسلام، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١)[البقرة: ٢٥١]، بين ربنا ﷿ أن إذنه للصالحين من عباده في مقاتلة المفسدين من رحمته بهم، وإحسانه وفضله، لما فيه لهم من المصالح والمنافع، في الدنيا بمنع وقوع الظلم، أو تقليله ومحاصرته، وتوفير حرية العبادة للناس من غير فتنة ولا تضييق، ولهم في الآخرة رفع الدرجات، ودخول الجنات.

ثم جاء الأمر بقتال من يقاتلهم في قول الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)[البقرة: ١٩٠]، ثم جاء الأمر بقتال الكفار بعامة كما عليه الجمهور في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً (٣٦)[التوبة: ٣٦]، وفي غيرها من الآيات، لكن الاعتماد على هذه الآية في مطلوبية قتال عموم الكفار ليس كما ينبغي، لأن التشبيه الذي فيها مانع من ذلك.

وقد كثر في تفسير الآيات الواردة في الجهاد وفي توجيهها، وبيان علافة بعضها ببعض؛ الاضطراب ودعوى النسخ، وما اشتهر أن آية السيف نسخت مائة وعشرين آية، مع أنه لم يتفق على آية السيف هذه، فإن كل آية فيها الأمر بقتال الكفار يحتمل أن تكون آية السيف، قال ابن تيمية في رسالة قاعدة قتال الكفار ومهادنتهم: «هي اسم جنس لكل آية فيها الأمر بالجهاد»، انتهى، ومما أوهم ذلك التعارض والتضارب عدم مراعاة مراد السلف من إطلاق القول بالنسخ، فإنهم يريدون به ما هو أعم من اصطلاح أهل الأصول، الذي هو رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم بالخطاب المتأخر مع تراخيه عنه، إذ أدخلوا فيه أنواع العلاقات بين النصوص التي ظاهرها التعارض، كالتقييد مع الإطلاق، والتخصيص مع التعميم، والإجمال مع التبيين، ويجمع ذلك أن كل دلالة تفهم من آية إذا جاء في أخرى ما يعدلها؛ قالوا عنه إنه نسخ، فإذا قيل مثلا إن النسخ قد نال قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)[البقرة: ١٩٥]، وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: ٨٣]، وقوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)[الأعراف: ١٩٩] وقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>