للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقدم، وقيل المقصود ورب أبيه، فحذف المضاف وهو كثير في لغة العرب، وعلى كل حال؛ فلا يعارض الثابت المجزوم بصحته؛ بما فيه شبهة من عدة وجوه، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن قال: «أدركت الناس ولو أن رجلا ركب راحلته لأنضاها قبل أن يسمع رجلا يحلف بغير الله»، وأنضاها أهزلها، ومعناه عدم وجود من يحلف بغير الله في وقته، أو قِلَّتُهُ لمعرفة الناس أحكام دينهم والتزامها.

ولما كان الحلف بالشيء يعتبر تعظيما له وتوكيدا لفعل المحلوف عليه أو عدم فعله؛ اختص الشرع ذلك بالله تعالى، فمن حلف بشيء غير الله؛ فلا تنعقد يمينه، ولا يطالب بكفارة إن حنث، لكنه قد ارتكب محرما، فإن قصد تعظيم ما حلف به كما يعظم الله؛ فقد كفر، لا فرق بين معظم شرعا كالأنبياء والكعبة، وبين من يستحق التحقير كالأصنام، وقد قال رسول الله : «من حلف بغير الله؛ فقد كفر، أو أشرك»، رواه الترمذي (١٥٣٥) عن ابن عمر وحسنه، ثم قال: «وفُسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله فقد كفر أو أشرك على التغليظ،،،»، وقد ساق الترمذي نصوصا من الكتاب والسنة تدعم هذا المعنى الذي قاله أهل العلم في الحديث، ومرده إلى أن الكفر كفران أصغر وأكبر، أو عملي، وعقدي، وقال خليل: «وإن قصد بكالعزى التعظيم فكفر».

وليس المقصود من حديث ابن عمر أن اليمين لا ينعقد إلا باسم الجلالة، بل إنه ينعقد بجميع أسماء الله وصفات ذاته، كقوله والذي لا إله إلا هو، وكالرحمن والغفار والعليم والحكيم، وبصفاته كعزة الله وجلاله وعظمته وكبريائه وكلامه والقرآن، وبصفات أفعاله كمقلب القلوب، ومنزل السحاب، وفي صحيح البخاري وسنن الترمذي (١٥٤٠) عن ابن عمر قال: «كثيرا ما كان رسول الله يحلف بهذه اليمين: لا ومقلب القلوب»، وقد ذكره مالك في موطئه بلاغا أن رسول الله كان يقول: «لا، ومقلب القلوب»، ولا تنعقد اليمين بصفات أفعال الله تعالى الحادثة كالخلق والرزق والإماتة والإحياء والعطاء، والنزول، والضحك، والعجب، والأشعرية يؤولونها والسّلف يُثبتونها لكن لا يكيّفونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>