حي القلب من كثير من النذر، فإن الذي يخطر ببال المرء من الطاعات كثير، والذي ينتقل من ذلك الحيز إلى حيز العزم موجود، ونية المؤمن أوسع من عمله، فيلزم على هذا أن يكون هذا المتمني للخير الذي لم يلتزمه بالقول ولم يعمله آثما، والذي لم يجل في نفسه فكر في الخير سالما، ويقال إن مشتري الأضحية ومريدها ما يزال ناويا التضحية بها، وهم يقولون إنما تلزم بالشروع في ذبحها، على أن هذا الذي نسبه ابن العربي إلى علماء المذهب قد ينازع فيه، فقد نقل ابن رشد في بداية المجتهد؛ أن من مذهب مالك أن النذر لا يلزم إلا بالنية واللفظ، وأن الذي قال بكفاية النية فيه؛ هو فيما إذا قال: لله علي أن أفعل كذا لقربة سماها، ولم يقل علي نذر كذا، فهذا هو الذي قال مالك تكفي فيه النية، ومن قال لا تكفي فيه النية؛ ذهب إلى أنه لم يصرح بجهة الوجوب، وهو لفظ النذر، لكون الشيء غير الواجب لا يجب إلا بلفظ التزام النذر، فلعل هذه المسألة التبست على بعض أهل العلم، فظنوا أن مذهب مالك لزوم النذر بحديث النفس، وليرجع إلى مواهب الجليل (٣/ ٣١٧) للحطاب ﵀.
وما ذكره المؤلف هو لفظ حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-، أن رسول الله ﷺ قال:«من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه»، رواه مالك (١٠٢٤) والبخاري وأبو داود (٣٢٨٩)، والحديث نص في أن نذر الطاعة يلزم الوفاء به، من غير فرق بين ما كان معلقا أو مطلقا على ما سيأتي، لإطلاق الأدلة في لزوم الوفاء، ومنها قول الله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ [الإنسان: ٧]، وقوله سبحانه: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩]، وللأحاديث الواردة في هذا المعنى، أما نذر المعصية فيحرم الوفاء به، ولا كفارة عليه، وهو المراد بقول المؤلف: ولا شيء عليه»، لكن روى أبو داود (٣٢٩٠) وابن ماجة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي ﷺ قال:«لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين»، وهو نص في لزوم الكفارة في نذر المعصية، وقد عورض بحديث عمران بن حصين:«لا وفاء للنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم»، وبعدم أمر النبي ﷺ بالكفارة في غير حديث، والجواب: أن غاية ما في حديث عمران وغيره منع الوفاء بنذر المعصية وهو متفق عليه، ولا يلزم منه نفي الكفارة، فإن الحديث هذا ساكت عنها، والآخر ناطق بها، فمتى صح؛ فهو الذي يقدم.