٤٦ - «وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية، ولا شيء عليهم في فساد النهار».
كلامه هنا في الدابة التي لا سائق لها ولا قائد ولا راكب، لأن الكلام على هذا قد تقدم في قوله من باب الدماء والحدود:«والسائق والقائد والراكب ضامنون لما وطئت الدابة»، فما أتلفته الماشية بالليل فهو على أربابها، يضمن المثلي مثليا والقيمي قيميا، ولو كان أكثر من قيمة الدابة، وذلك ما لم يكونوا قد ربطوها ربطا وثيقا أو أغلقوا عليها الباب ثم تفلتت، غير أنهم فرقوا بين العبد يجني فإنه يُسَلَّمُ في جنايته إلى المجني عليه، بخلاف الماشية فلا تُسَلَّمُ، ولعل الوجه فيه أن العبد مكلف بخلاف الماشية.
وقول المؤلف:«من الزرع والحوائط»، يخرج ما لو وطئت أحدا نائما بالليل فقتلته مثلا فإنه لا ضمان على ربها، أما ما أفسدته بالنهار وهي غير معروفة بالعداء فلا ضمان عليهم فيه على الأصل كما تقدم، وقد قال رسول الله ﷺ:«العجماء جرحها جُبَار، والبئر جُبَار، والمعدن جُبَار، وفي الركاز الخمس»، رواه مالك (١٥٨٣) والشيخان وأصحاب السنن الأربعة، قال مالك: وتفسير الجُبَار أنه لا دية فيه»، انتهى، لكن رب الماشية يضمن ما أتلفته بالليل إن كان معها راعيها الذي له القدرة على منعها، لأنه حينئذ بمثابة الراكب والقائد والسائق، وهكذا إذا سرحت قريبا من المزارع والحوائط، وذهب يحي بن يحي الليثي إلى الضمان مطلقا، وألزم به القضاة في الأندلس، ولمالك رواية تردد فيها، وللباجي في المنتقى تفصيل جيد في المسألة يحسن الاطلاع عليه.
ودليل المشهور ما رواه مالك (١٤٣١) عن حرام بن محيصة أن ناقة البراء ابن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله ﷺ أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها»، وهو مرسل صحيح، قد