للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له: «ليس في كتابك غريب»، فقال مالك: «سررتني».

والتيمم يقوم مقام الماء في حالين ذكرهما المؤلف:

أحدهما: فقدان الماء الذي يكفي للطهارة، فمن وجد ما يكفي لبعض الأعضاء فهو كعادم الماء في المذهب، إذ ليس فيه الجمع بين استعمال الماء والتيمم، إلا في بعض صور المسح على الجبيرة، ويستوي في ذلك المسافر والحاضر، وإنما نص المؤلف على المسافر لأن فقدان الماء يغلب في تلك الحال، ولأن الذي نص على تيممه في القرآن إنما هو المسافر الفاقد للماء والمريض، أما الحاضر الصحيح فتيممه مأخوذ من السنة، ولهذا قالوا لا يتيمم الحاضر الصحيح للجمعة، ولا أحسب أن ثمة دليلا على هذا الاستثناء.

والمسوغ الثاني للتيمم: عدم القدرة على استعمال الماء لمرض واقع، أو متوقع، أو زيادته، أو تأخر برئه، وكذلك إذا عدم المريض من يناوله الماء، فهو كعادمه، لكن الانتقال إلى التيمم لخوف التلف باستعمال الماء متفق عليه، أما ما دونه مما ذكر؛ فالمشهور أنه يتيمم، وقال مالك لا يتيمم ويستعمل الماء، نقله زروق وابن ناجي وقال: «والأقرب هو الأول، لقول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، وقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ولقد أحسن أشهب في قوله لما سئل عن مريض لو تكلف الصوم والصلاة لقدر، لكن بمشقة وتعب، فأجاب بأن قال: «فليفطر ويصل جالسا ودين الله يسر،» انتهى كلام ابن ناجي.

قلت: قال ابن حبيب عن مالك وهو في النوادر: «إذا خاف المسافر الجنب إن اغتسل الموت أو العلة الشديدة؛ فليتيمم وليصل، ولا يعيد في وقت ولا غيره»، فهذا يدل على أنه يرى التيمم من غير خشية التلف والله أعلم.

ومن أدلة مشروعية تيمم الجنب للخوف على النفس؛ حديث عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فاشفقت أن أغتسل فأهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي فقال يا عمار صليت بأصحابك وأنت جنب؟، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: سمعت الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>