٨٥ - «وإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جرمه وكثرة مقامه في فساده فإما قتله، أو صلبه ثم قتله، أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن بها حتى يتوب».
قد تقول: لم اقتصروا في لزوم قتل القاتل في الحرابة على ما إذا قَتَل؟
قلت: لأن فيه احتياطا للدماء فإذا قَتَل كان قتله واجبا بالنص خارج حد الحرابة، وإذا ارتكب ما دون القتل لم يجب على الإمام واحد من تلك الأمور بل المرجع في تحديد واحد منها اجتهاده، فيفعل ما يراه كافيا في ردعه.
قالوا: فإن كان ذا قوة فعل به أشد العقوبة، وهو القطع من خلاف، وإن لم يكن ذا شوكة فعل به أيسر العقوبات وهو النفي إلى بلد في مسافة القصر يسجن فيه حتى يتوب، والنفي خاص بالرجال الأحرار، قال خليل مبينا ما يندب أن يراعى في تنزيل حد الحرابة:«وندب لذي التدبير القتل، والبطش القطع، ولغيرهما ولمن وقعت منه فلتة النفي والضرب»، انتهى.
وفي كلام المؤلف الجمع بين أكثر من حد وقد علمت ما فيه، لكنهم قالوا عن الصلب إنه من صفات القتل والمشهور أنه يقدم، ورأوا أنه ليس فيه جمع بين عقوبتين، وظاهر الآية أن الصلب عقوبة مستقلة، ولأن الصلب يجوز أن لا يصل إلى القتل، فإن كان بعده أمكن أن يقال إنه ليس عقوبة مستقلة، وذهب أشهب إلى أنه يجمع بين القتل والصلب على أن يؤخر الصلب، وهذا أقرب لأن المقصود اشتهار الأمر برؤية الناس حتى ينزجروا عن الحرابة، قالوا ولا يقتل على صفة يعذب بها ولا بحجارة، والصلب خاص بالرجل دون المرأة المحاربة لما فيه من كشف عورتها، أما القطع فبأن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى في فور واحد لا أن يفرق بينهما في وقتين، فإن عاد إلى الحرابة قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، فإن عاد قتل، ولعل ذلك لعدم وجود محل إقامة الحد مع تكرار الجرم، لكنه ليس بلازم.