للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

٣٧ - «والإفراد بالحج أفضل عندنا من التمتع ومن القران».

تقدم أن أنواع الإحرام ثلاثة، وقد اتفق المسلمون على جواز أي منها، والخلاف إنما هو في أفضلها، والمذهب أفضلية الإفراد، وعن مالك في قول آخر أن التمتع أفضل، وهو في حاشية علي الصعيدي على شرح أبي الحسن، فلينظر من أين استقاه ووثقه، وإنما كان الإفراد أفضل عندهم لأمرين: أولهما ما ثبت من حديث عائشة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس أن النبي أفرد الحج، وهؤلاء هم من خواصه الذين كانوا قريبين منه في حجته، وهم من العارفين بشأنه، ومن هذا القبيل ما جرى عليه الخلفاء الراشدون في عملهم بإفراد الحج غير علي بن أبي طالب الذي نقل عنه هذا وهذا، والأمر الثاني أن كلا من القارن والمتمتع يلزمه الهدي، وهو للجبران كما قالوا، والمفرد لا هدي عليه، وما لا يلزم معه الهدي أولى مما يلزم معه.

ويبدو أن الشارع متشوف إلى إفراد كل من النسكين بسفر لمن تيسر له، فأشهر الحج خاصة به، لكنه اختصاص كمال وفضيلة، وليس هو بالاختصاص الذي يمنع من غيره، وقد كنت أحوم حول هذا المعنى ثم رأيت أبا بكر ابن العربي ذكره في المسالك، وقد عدوا عمارة المسجد الحرام من فروض الكفاية، ولهذا فرض الشارع الهدي على من اعتمر وحج من عامه، أو قرن العمرة بالحج، وهذا ما كان يراه عمر بن الخطاب إذ قال: «افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحجكم»، وهو في الموطإ، وهذه معان تقوي أفضلية الإفراد، ولمن ذهبوا إلى أفضلية التمتع أجوبة قوية يحسر معها هذا النظر، كما أن لهم ما يعارض ما عند الأولين من الأثر، ورأوا أن ما فعله النبي هو الأفضل، وقد رأيتَ الاختلاف فيما فعله، وبعضهم رأى الأفضل فيما تمناه، ورده ابن العربي قائلا: «كيف يفوته الله تعالى الأكمل، ويرده إلى الدون»؟، والناظر بعين الإنصاف في الأدلة قد يوفقه الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>