الطهارة بالماء، وتقدم ذكر ذلك في أول باب من هذا الجزء.
وقد قال بعض أهل العلم إن حكمة التيمم أن الله ﷾ لما علم من النفس الكسل والميل إلى ترك الطاعة، وترك العمل الذي فيه صلاحها؛ شرع لها التيمم عند عدم الماء، حتى لا تصعب عليها الصلاة عند وجوده، وقيل إن الحكمة أن تكون طهارته دائرة بين الماء والتراب اللذين منهما أصل خلقته، وقوام بنيته،،،»، قاله ابن ناجي، وقد ذكر ما هو قريب منه الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره، وابن العربي في المسالك.
ولا بأس بالتماس الحكمة من مشروعية الأعمال في كنف الانضباط العلمي الشرعي، لكن قال الشيخ الطاهر بن عاشور ﵀ في كتابه كشف المغطى:«هذا العمل هو عمل رمزي محض، وهو توهم المتطهر أنه يتطهر بمصدر الماء ومنبعه وقراره، وهو الحجر والتراب، إذ الأرض منبع الماء وقراره،،،»، إلى أن قال: «فأولى الأشياء وأقربها إليه هو الأرض، وما ظهر عليها، وهو الصعيد المقصود في آية التيمم، وأحسب أنه لا يوجد حكم وهمي في شرائع الإسلام غير التيمم، فلا تنتقض القاعدة التي أصلناها في كتاب (أصول النظام الاجتماعي) وهي أن الإسلام حقائق لا أوهام»، انتهى.
والقول عن التيمم إنه عمل رمزي محض، وتوهم من المتطهر به غير مقبول، بل هو مجازفة، ولو أبقى الشيخ على ما قرره في كتابه أصول النظام الاجتماعي من أن الإسلام حقائق لا أوهام؛ لكان خيرا له وللناس، على أن تقرير هذا الأمر بالنسبة للمسلم من باب تحصيل الحاصل، مع العلم أن قولنا بذلك عن أحكام الله تعالى لا يتوقف على إدراكنا للمناسبات والعلل، فإن الحق عندنا ما ثبت أنه شرع الله، أدركنا مناسبته وحكمته أو لا، فلو اكتفى المؤلف بالقول إن التيمم حكم تعبدي محض لجرى على ما دأب عليه سلفه من العلماء، ولأصاب ما أراد، بل الوضوء كذلك عند الجمهور، ولو أرخى المرء العنان لنفسه لوصف كل العبادات بما وصفها به هذا العالم، وميل النفس إلى التماس الحكم والمناسبات والعلل معروف، وهو مقبول إذا جاء غير مخالف للمنصوص، ولا ذريعة إلى باطل، وقد قيل لمالك:«إن فلانا يحدثنا بالغريب»، قال:«من الغريب نفر»، وقال بعضهم