٥٨ - «و يعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن كان بشرط».
إنما سمي السلم كذلك لأن أحد المتعاقدين يسلم للآخر العوض، على أن يكون العوض الآخر في ذمة الثاني، فإذا لم يسلمه واكتفيا بالكلام والتواعد فلا يصدق عليه لفظ السلم، لا لغة ولا شرعا، بل هو بيع الدين بالدين، وهو مجمع على منعه، لكن المذهب جواز تأخير قبض رأس المال إلى ثلاثة أيام، سواء أكان ذلك باشتراط المسلف أم لا، قالوا لأن هذه المدة يكون رأس المال معها في حكم المقبوض، وهذا التقييد مفتقر إلى الدليل، ولا دليل بل هو من قائله مجرد استحسان، ومن استدل عليه بالآيات التي فيها الإمهال ثلاثة أيام كقوله تعالى: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (٦٥)﴾ [هود: ٦٥]، وجواز بقاء المهاجر في مكة ثلاثة أيام، وإحداد المرأة على غير زوجها ثلاثة أيام فقد أبعد النجعة، وقد رد ابن عبد البر هذا القول في الكافي (ص ٣٣٧)، مع أنه من النادر أن يتدخل فيه بترجيح ما خرج عن المذهب، ثم احتج لما ذهب إليه بتخريجه على قول لمالك، قال:«والذي به أقول إنه لا يجوز فيه إلا تعجيل النقد، وإلا دخله الكالئ بالكالئ، ولم يختلف قول مالك أنه لو أقاله في السلم بتأخير يوم أو يومين أنه لم يجز، والابتداء أولى كذلك في النظر، إذ هو مثله قياسا عليه بلا فرق»، انتهى، يقصد أنه لو صح التسامح في تأخير المال لكان في المآل أولى منه في الابتداء.