فانتفعتم به»، فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها»، وهو حجة في أن منع أكل الشيء لا يلزم منه حرمة الانتفاع بشيء منه، وقد حمل مالك في المشهور عنه الانتفاع على ما ذكر من حمل الشيء على بدايته وأقل ما يصدق عليه لأنه استثناء
واعلم أن بعض المالكية العراقيين؛ قد رووا عن مالك طهارة جلد الميتة بالدباغ طهارة كاملة إلا جلد الخنزير، وذهب سحنون وابن عبد الحكم إلى طهارة الإهاب إذا دبغ مطلقا، وهو في حاشية الدسوقي على شرح الدردير، ولذلك قال الفاكهاني كما في شرح أبي الحسن:«ثم الجلد المدبوغ طاهر، ظاهره، وباطنه، وجائز بيعه على إحدى الروايتين»، انتهى، وهذا هو الظاهر من قول النبي ﷺ:«أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر»، رواه الترمذي والنسائي وغيرهما عن ابن عباس، وهو في الموطإ (١٠٧٣) وصحيح مسلم بلفظ: «إذا دبغ الإهاب فقد طهر»، وعمومه شامل لجلد الخنزير، فيطهر بالدباغ كغيره، وأنصح بقراءة ما كتبه الشيخان الدردير والدسوقي عند قول خليل في (باب الطاهر ميت ما لا دم له): «وفيها كراهة العاج والتوقف في الكيمخت»، فقد أجادا القول، وبينا التناقض الحاصل بين القول بأن طهارة الجلد بالدباغ لغوية، وما ورد من استعمال السلف الكيمخت، وهو جلد الحمار، ويلزم منه أن الطهارة شرعية.
وقد روى أحمد وأبو داود (٤١٢٧) والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن عُكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول ﷺ بأرض جهينة، وأنا غلام شاب:«أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»، وهذا إن صح؛ فهو مطلق، فيصرف إلى ما لم يدبغ، ولا يعارض به اللفظ المقيد، بل يحمل عليه، بل يقال لا حاجة إلى الحمل المذكور، لأن الإهاب في اللغة يراد به ما لم يدبغ، فإذا دبغ؛ فلا يقال له إهاب، وإنما يسمى شنا وقربة، وقد بين ذلك أبو داود عقب روايته الحديث، ثم إن هذا لا حجة فيه لمشهور المذهب، لأنهم يقولون بالانتفاع بجلد الميتة كما تقدم، فكيف يسوغ الأخذ ببعض الحديث وترك بعضه؟، وقد تفطن الباجي ﵀ لذلك فقال:«لا يصح احتجاجنا به، لأنا لا نمنع الانتفاع بجلد الميتة بعد الدباغ»، انتهى.