٢٠ - «ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزول الشمس من يوم عرفة، ويروح إلى مصلاها».
تقدم هذا للمؤلف حين ذكر قطع التلبية لدخول مكة، وإنما كرره هنا للمناسبة، ونقل هذا عن بعض السلف من الصحابة، لكن ثبت أن النبي ﷺ ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر، (خ/ ١٦٨٦)، أي انتهى من رميها كما جاء مصرحا به في رواية للنسائي (٥/ ٢٧٦) من حديث أسامة بن زيد، ويعسر أن يقال عن أحد إنه قطع التلبية ما لم يصرح بقوله، وليس من المستبعد أن يحمل القطع على غير ما يظهر كالتكبير بدل التلبية، والانقطاع عنها فترة قد تطول، فهذا مما يجوز أن يحمل عليه فعل بعض الصحابة كعمر وأبي بكر وعلي وعائشة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم.
وقد سأل محمد بن أبي بكر الثقفي أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة:«كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله ﷺ؟، قال: «كان يهل المهل منا فلا ينكَر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكَر عليه»، رواه مالك في الموطإ (٧٤٩) والشيخان (خ/ ١٦٥٩)، لكن الاستدلال بهذا ونحوه على قطع التلبية إذا راح الحاج إلى عرفة كما صنع الحافظ الغماري؛ فيه نظر، بل يستدل به على مشروعية التكبير والتلبية معا في هذا اليوم، وهو ما ترجم به البخاري، ولعل الغماري اغتر بترجمة مالك رحمة الله عليه بقوله قطع التلبية، مع ما أورد معه من الآثار بذلك عن علي وعبد الله بن عمر وعائشة ﵃، وقد عول مالك على فعل عائشة أم المؤمنين، وكانت مرافقة للنبي ﷺ في حجته، لكن يقال إن هذا فعلها، وليس خبرا نقلته عنه ﷺ، وقد أيد الباجي في المنتقى (٢/ ٢١٦) قطع التلبية عند رمي جمرة العقبة، فقال:«وما تضمنه الحديث أظهر عندي وأقوى في النظر»، وهو رواية عن مالك ذكرها القاضي عبد الوهاب في الإشراف (١/ ٤٧٩)، واستحسن ذلك اللخمي في التبصرة.