وثانيها: تصويره في الأرحام كيف يشاء بحكمته، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٦]، وقد مر بمراحل قبل أن يكتمل خلقه، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)﴾ [المؤمنون: ١٢ - ١٤]، ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [التغابن: ٣].
وثالثها: إخراجه إياه من بطن أمه إلى الحياة، وقد هيأ له فيها ما يرتفق به، وكتب له رزقه، كما قال رسول الله ﷺ:«إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بكتب أربع كلمات: بكتب رزقه، وعمله، وأجله، وشقي أو سعيد»،،، الحديث (١)، وقد جعل الله تعالى عطف أمه عليه عظيما، فثديها له سقاء، وحجرها له حواء، إلى أن يبلغ الفطام، ثم يتدرج ويكبر شيئا فشيئا، فيشب ويستغني عن غيره.
قال الإسماعيلي في عقيدته مبينا المراد بالرزق عند أهل السنة:«وأن الله يرزق كل حي مخلوق رزق الغذاء الذي به تقام الحياة، وهو يضمنه الله لمن أبقاه من خلقه، وهو الذي رزقه من حلال أو حرام، وكذلك رزق الترفيه الفاضل عما يحي به»، انتهى، وإنما يذكرون هذا التفصيل ردا على الذين يقولون إن الرزق لا يكون إلا حلالا
ورابعها: أنه أخرجه من بطن أمه وهو لا يعلم شيئا، فعلمه ما لم يكن يعلم، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)﴾ [النحل: ٧٨].
فهذه نعم جليلة يتعين الشكر عليها عند من يعقل، كما قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ