وخامسها: أنه ﷾ لم يخلق الإنسان وكذلك سائر الخلق عبثا، ولا تركهم سدى، خلق الإنس والجن لتوحيده وعبادته، وهداهم أنواعا من الهداية الظاهرة والباطنة، منها:
ا - أنه جعل له فيما خلق آيات دالة على وجوده وربوبيته وإلهيته واستحقاقه أن يفرد بالعبادة، تنبيها له على أصل سعادته، كما قال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)﴾ [الذاريات: ٢٠ - ٢١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)﴾ [آل عمران: ١٩٠]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ب - ومنها أنه أعذر إليه، أي أزال عنه كل الأعذار التي يمكن أن يعتذر بها، كما قيل: أعذر من أنذر، يقال أعذر في الأمر إذا بلغ فيه أقصى الغاية، وفي الحديث:«أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين»(١)، وكيف يبقى للناس عذر، وقد أرسل الله إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ليبين لهم ما أراد منهم، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، وقال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (١٣٤)﴾ [طه: ١٣٤].
فليس يحصي الذي أولاه من نعم … أجلها نعمة الإيمان بالرسل
من ذا من الخلق يحصي شكر واهبها … لو كان يشكر طول الدهر لم يصل
ج - وحيث إن الله تعالى قد هيأ للإنسان ما يفرق به بين طريق الحق وطريق الباطل، كانت منه تعالى هداية أخرى تفضلا ومنة، وهي هداية التوفيق التي خص بها من شاء بفضله، وحرم منها من شاء بعدله، والهداية هي الإرشاد والبيان كما قال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ