سبق من ترجيح اعتبار الفضة في الزكاة، وليس الأمر كذلك، فما تقدم فيه احتياط لحق المساكين وهذا درء للحد بالشبهة، والله أعلم.
وقد هال بعض الناس هذا الفرق الكبير بين الذي تقطع فيه اليد وهو ربع دينار، والذي تودى به وهو خمسمائة دينار، ومن هؤلاء فيما ذكروا أبو العلاء المعري الذي أورد حيرته في صورة إشكال دل على جهله وقلة عقله كما قال ابن كثير في تفسيره:
يد بخمس مئين عسجد وديت … ما بالها قطعت في ربع دينار؟
تناقض ما لنا إلا السكوت له … وأن نعوذ بمولانا من النار
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء - يوم كانت لهم صولة - فهرب منهم، وقد أجابوا عن شبهته ومنهم القاضي عبد الوهاب المالكي ﵀ الذي قال:«لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت»، وقيل في الجواب:
يد بخمس مئين عسجد وديت … لكنها قطعت في ربع دينار
حماية الدم أغلاها، وأرخصها … خيانة المال فانظر حكمة الباري
وقد يدل تنصيص المؤلف على النصاب الذي يقطع فيه السارق الرد على من ذهب إلى القطع في أكثر من ذلك أو أقل، واستدل القائلون بالقطع من غير تحديد بقول النبي ﷺ:«لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل قتقطع يده»، رواه الشيخان عن أبي هريرة، والظاهر حمله على التنفير من السرقة، لأن قليلها الذي لا قطع فيه كثيرا ما يؤدي إلى ما فيه القطع.
وقوله إذا سرق من حرز قيد في القطع، إذ لا يقطع من سرق من غير الحرز، وليس للحرز ضابط شرعي قَارُّ، بل هو كل ما يعتبر من لم يَضَعِ الشيءَ فيه مُضَيِّعًا له، فَحِرْزُ كُلّ شيء بِحَسَبِه، ولهذا يختلف باختلاف الأموال والأحوال والأزمنة والأعراف، ومن ذلك أن يكون الشيء مع صاحبه على المذهب كما في حديث صفوان بن أمية قال: كنت نائما في المسجد على خميصة لي، فَسُرِقَتْ فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله ﷺ، فأمر بقطعه، فقلت يا رسول الله: «أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له، أو أبيعها له، قال: «فهلا