وكذا إذا وجده بعد الوقت فلا يغتسل لهذه الجنابة التي قد تيمم لها، لأنها قد ارتفعت بالتيمم»، وبعد أن أورد على نفسه ما في حديث عمران بن حصين الطويل عند البخاري (٣٤٤)، وحديث الطبراني في الكبير عن أسلع خادم النبي ﷺ، وفي الأول أن النبي ﷺ أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال: اذهب فأفرغه عليك، وفي الثاني أنه أمر من كان جنبا بالتيمم، فتيمم، ثم مروا بماء، فقال له: أمس هذا جلدك، ثم قال:«ليس في الحديثين ما يفيد أن الأمر بالغسل للجنابة التي قد تيمم لها كما ذكرت، ولو كان كذلك لأمره بإعادة الصلاة التي كان قد فعلها بالتيمم، ولم يثبت ذلك، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولو سلمنا ما ذكرت؛ لكان معارضا بحديث عمرو بن العاص الصحيح،،، ولم يأمره بالغسل»، انتهى.
قلت: الذي ظهر لي من الحديثين أن الغسل في حديث عمران بن حصين للجنابة التي تيمم لها، إذ من المستبعد أن يكون قد أجنب مرة أخرى، ومن أين للنبي ﷺ أن يعلم ذلك؟، والمعاملة بالظاهر هنا لا بالغيب، وهكذا في الحديث الثاني، فإن فيه أنه أمره بالتيمم، ثم قال له أمس هذا جلدك، وهذا ليس الوضوء، بل هو الاغتسال، فجواب الشوكاني عن الحديثين ليس بالواضح كما هو واضح، أما أنه لم يأمر عمرا بالاغتسال حين أقره على تيممه وصلاته بأصحابه، فلا يقوى على معارضة ما في الحديثين لاحتمال كونه عالما بالحكم، وأقصى دلالة حديث عمرو أن يكون ظاهرا فيما قاله، والآخر نص فيقدم عليه، فالحق أن التيمم يرفع الحدث رفعا مؤقتا بزوال المانع، وبناء على هذا القول؛ فإن من تيمم للجنابة لا يطالب بعد ذلك إلا بالوضوء إن كان قادرا عليه، حتى إذا زال عذره اغتسل، وإنما العلم عند الله.
والقول الثالث: أن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يستباح به الممنوع استباحة مؤقتة بزوال العذر، وهو المشهور في المذهب، ولذلك كان الواجب نية الحدث الأكبر إن كان، متى انتقضت طهارة المتيمم، ولو تكررت كما قال الشيخ خليل وهو بصدد ذكر واجبات التيمم:«ونبة أكبر إن كان ولو تكررت»، وقد استدل لهذا القول بأن الله تعالى قال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا