بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦]، فكان الأصل أن يتوضأ المكلف لكل صلاة، فبينت السنة أن الوضوء لا يلزم إلا مَنْ أحدث، وبقي بدل الوضوء على الأصل، لكن الاستدلال بهذه الآية لمذهب مالك فيه نظر، ذلك أنه يراها في القائم إلى الصلاة من النوم، كما رواه في الموطإ (٣٨) عن زيد بن أسلم في تفسيرها، ومما استدلوا به أن المكلف مأمور بطلب الماء لكل صلاة، فإذا لم يجده تيمم، وينقض هذا أنهم قالوا يتيمم المريض لكل صلاة، وهو لا يطلب الماء، ثم ما وجه البحث عن الماء إذا كان المرء مستيقنا أنه غير موجود؟، ومما استدل به ما ورد عن بعض الصحابة أنهم كانوا يرون التيمم لكل صلاة، فقد صح ذلك عن ابن عمر كما نقله صاحب (الفتح ١/ ٥٧٩)، عن ابن المنذر، وقال لا يعرف له مخالف من الصحابة، وورد عن علي وابن عباس وعمرو بن العاص التيمم لكل صلاة، لكن ضعف الرواية عنهم ابن حزم في المحلى (٢/ ١٣١)، ومن تعاليق البخاري في (باب الصعيد الطيب وضوء المسلم) قال الحسن: «يجزئه التيمم ما لم يحدث»، وأم ابن عباس وهو متيمم».
وفي الموطإ سئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت، ثم حضرت صلاة أخرى أيتيمم لها، أم يكفيه تيممه ذلك؟، قال:«بل يتيمم لكل صلاة، لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم يجده؛ فإنه يتيمم»، وقد علل الباجي ﵀ عدم رفع التيمم الحدث فقال:«ودليلنا على أنه لا يرفع الحدث أنه معنى لا يرفع الحدث مع وجود الماء فلم يرفعه مع عدمه كسائر المائعات»، انتهى، ولا يخفى عنك أن عدم رفع التيمم الحدثَ مع وجود الماء هو بمنع الشارع الذي جعله بدلا عنه عند افتقاده، لا مع وجوده للقادر عليه، فكيف يحتج بذلك هنا حيث لا ماء؟، أما المائعات فليست مما يتطهر به بحال، فلا يصح هذا في النظر.
والذي يظهر والله أعلم أن طلب الماء ولو قلنا بلزومه عند كل صلاة؛ فلا يلزم منه بطلان الطهارة المحرزة إذا لم يجده، كما لا يلزم من هذا الطلب أن التيمم طهارة ناقصة، لأن الله تعالى قال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦]، وقد جاء هذا بعد ذكر الطهارة المائية