قال سحنون ﵀:«ليس كل من تجوز شهادته تجوز تزكيته، ولا يجوز في التزكية إلا العدل المبرز والناقد الفطن الذي لا يُخْدَعُ عَقْلُه، ولا يُسْتَزَلُّ في رأيه»، انتهى، واعلم أن الشهادة نوعان شهادة الحقوق وشهادة التعديل، وقد اختلف هل يتساويان في العدالة أو يشترط في الثانية التبريز فيها، ومن شهد بالتعديل فينبغي أن يقول في شهادته إن فلانا عدل رضا فإن جَمَعَهُمَا صَحَّتْ تزكيته، وإن اقتصر على واحد فقد اختلف في كفايتها، ومعنى أنه رضا أي فيما بينه وبين الناس، فيرجع للسلامة من موانع الشهادة، ومنى أنه عدل، أي فيما بينه وبين الله، فيرجع لسلامة في الدين، إذ قد يكون العدل مغفلا كثير السهو والنسيان، وقد يكون الفطن غير عدل، قال الله سبحانه: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ (٢)﴾ [الطلاق: ٢]، وقال تعالى: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وحمل بعضهم الرضا على تحمله، والعدل على أدائه.
والتعديل جائز وإن لم يعرف المُعَدِّلُ اسم المُزَكَّى ولا لقبه ولا كنيته على المشهور، ولا يشترط أن يذكر وجه التزكية بخلاف الجرح فلا يقبل إلا ببيان سببه، أعني أن يكون مُفَسَّرًا، إذ ربما كان ما اعتمد عليه في الجرح ليس بقادح في العدالة، وإذا اختلف عدلان في الحكم على شخص قُدِّمَ قول من جرحه لأنه قد اطلع على ما لم يطلع عليه المزكي، والمثبت مقدم على النافي.