١٧ - «ولا يجوز بيع الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول».
قد يقال هذا تكرار، وقد يقال إنه لما قدم أن العقد لا يصح مع الغرر بيعا كان أو إجارة أو كراء خص البيع بالذكر هنا لورود النص فيه خصوصا وعموما، فأما العموم فهو حديث أبي هريرة ﵁ عند مسلم، ومرسل مالك عن سعيد، وقد تقدما، وأما الخصوص فمنه النهي عن بيع الحصاة والملامسة والمنابذة وبيع العبد الآبق وغير ذلك.
والغرر قسمان: كثير وهو الذي يضر، ويسير لا يكاد يخلو منه البيع، ويحصل ضمنا وتبعا، لا قصدا، والضار منه ما كان مقصودا، ومنع اليسير غير المقصود يؤدي إلى الحرج الشديد، وتعطيل المصالح والمنافع، وكثير من اختلاف العلماء في هذا الباب مرده إلى اختلافهم في تحقيق مناط القلة والكثرة من الغرر، ومن أمثلة اليسير كراء الشيء شهرا مع جواز نقص الشهر، ودخول الحمام مع عدم ضبط ما يستهلك من الماء، ومقدار الوقت الذي يقضيه فيه المستحم، ومنه كمية الخبز الذي يتناوله الناس في المطاعم، إذ إن ذلك لا دخل له فيما يقدم من العوض المعلوم سلفا في مقابل الأكل، ومثله اختلاف الركاب في مقدار ما يحملون من المتاع، ومدة الجلوس في المقاهي وغير ذلك، فهذا غرر لكنه يسير غير مقصود من فاعله فلا يضر، وقد علل المنع من بيع الغرر بما يؤدي إليه من المخاصمة والمنازعة، وفي هذا التعليل نظر، إلا أن يقال إنه بعض علة، وإلا فإن الغرر فيه أكل لأموال الناس بالباطل، وهو محرم حصلت المنازعة أو لا.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٩/ ٢٥): «ومفسدة الغرر أقل من مفسدة الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا مثل بيع العقار جملة، وإن لم يعلم دواخل الحيطان والأساس، ومثل بيع الحيوان الحامل أو