جمع تقديم حقيقي: وذلك فيما إذا أراد المسافر النزول عند الظهر، أو كان نازلا، أو عند المغرب، فيجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، وبين المغرب والعشاء كذلك.
والثاني جمع تأخير صوري: يؤخر الظهر إلى آخر وقتها فيصليها، ثم يصلي العصر في أول وقتها، وكذلك المغرب والعشاء.
واعلم أنه قد جاء الدليل الذي لا احتمال معه في جمع المسافر جمع تقديم وتأخير حقيقيين، وهو حديث معاذ بن جبل من رواية أحمد وأبي داود (١٢٠٨)، والترمذي (٥٥٣) وغيرهما أن النبي ﷺ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، يصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب»، ورواية أبي داود أصرح في التأخير الحقيقي، إذ فيها:«حتى ينزل للعصر»، و «حتى ينزل للعشاء»، وهذا التفصيل الذي في حديث معاذ لا يعارض بما في الصحيحين عن أنس قال:«كان رسول الله ﷺ إذا ارتحل في سفره قبل أن تزيغ الشمس؛ أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل؛ صلى الظهر ثم ركب»، لأنه إما حكاية لحالة من حالات جمعه ﷺ بين الصلاتين، وإما أنه اختصار من بعض الرواة، وهو ما قاله الحافظ في بلوغ المرام:«وفي رواية للحاكم في الأربعين بإسناد صحيح: «صلى الظهر والعصر، ثم ركب».
واعلم أن الجمع الصوري يسوغ في غير السفر إذا أمكن تحقيقه، إذ غاية ما فيه أن الصلاة الأولى تؤدى في آخر وقتها، وتؤدى الثانية في أول وقتها، وقد تقدم ما في حديث تعليم جبريل ﵇ النبي ﷺ أوقات الصلاة حيث قال له:«ما بين هذين وقت»، وإذا كان المقصود من مشروعية الجمع الرفق والتيسير فإن الجمع الصوري عسره باد، والحرج فيه أظهر من أن يخفى على أحد، حتى في زمن ضبط الوقت بالساعة، فكيف إذا ضم إليه قيد جد السير كما هو ظاهر كلام المؤلف؟.