للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله:

١٩ - «ومن جعل ماله صدقة أو هديا؛ أجزأه ثلثه».

من عين شيئا من ماله نذرا لزمه ما عينه، ولو استغرق مالَه كله على المشهور، فإن قلت: هذا ثقيل، وفيه حرج عظيم، فالجواب: لم يتلاعب المؤمن بدينه؟ ومن ألزمه بذلك وهو في تمام إدراكه واختياره؟، قال الباجي في المنتقى (٣/ ٢٦١): «ومن تصدق بشيء معين وهو جميع ماله فالمشهور من المذهب أنه يلزمه إخراج جميعه وفي النوادر عن ابن نافع يجزئه الثلث»، انتهى، وهذا أولى، أما من قال: مالي صدقة؛ فيكفيه أن يخرج منه ثلثه، فإن قيل: كيف وسع على هذا، وضيق على الذي قبله؟، فالجواب: أن السابق نطق قاصدا ما نذر الصدقة به، وهذا عم ولم يخص.

قال مالك: «الذي يقول مالي في سبيل الله، ثم يحنث؛ يجعل ثلث ماله في سبيل الله»، وهو قوله في المدونة أيضا، أما من حدد ما يتصدق به كأن يقول داري أو كذا وكذا فإنه يلزمه ذلك، ولو كان جميع ماله، وهو في المدونة (١/ ٢٤ و ٢٥).

قلت: الظاهر عدم الفرق بين من عين شيئا، وكان ذلك جميع ماله، وبين من نذر الصدقة بجميع ماله في كفاية الثلث عنهما لاستوائهما في الواقع، ومما يذكر أن ربيعة كان يرى على من نذر الصدقة بماله كله أن يتصدق بمقدار الزكاة منه، لأن ذلك طهارة له، وقال ابن وهب بقول مالك في الملي، وبقول ربيعة في القليل المال، وبكفارة يمين في الفقير، وانظر النوادر (٤/ ٣٥).

وقد روى مالك في الموطإ (١٠٣٣) عن ابن شهاب أنه بلغه أن أبا لبابة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال: يا رسول الله، أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأجاورك، وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله؟، فقال رسول الله : «يجزيك من ذلك الثلث»، وقد وصله أبو داود (٣٣١٩) في سننه، وجاء عن كعب بن مالك نحوه، وهو في

<<  <  ج: ص:  >  >>