النبي ﷺ لغيره، وهذا لا يتنافى مع إثبات تلك الرواية أعني زيادة «ولا يرقون»، عند من رأى الأخذ بها، لأن هذا مقام التعليم والتشريع كما لو فعل النبي ﷺ المكروه.
فما أجدر الدعاة وأهل العلم بأن يشرحوا معنى هذا الحديث حتى يكفكفوا من الغلو في أمر الرقية التي خرج الناس بها عن حد الاعتدال، لا فرق بين الرقاة والمسترقين، فليرشدوا الناس إلى أن يرقوا أنفسهم وأقاربهم، وأن لا يربطوا الرقية بفلان يعتقدون أن فيه البركة، ونحن لا ننكر تفاوت الناس في هذا، فإن السلاح يختلف أثره باختلاف حامله، ولكن الأمر كثيرا ما يتطور إلى غير المشروع، وقد اشتكى عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى النبي ﷺ وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له:«ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر»، وهو في الموطإ، ورواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، وفي سنن أبي داود:«ففعلت ذلك، فأذهب الله ﷿ ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم».
إذا تبين هذا فقد قال الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)﴾ [الإسراء: ٨٢]، ومن في الآية لبيان الجنس، أي أن القرآن كله شفاء ورحمة لمؤمنين، والشفاء هو زوال الداء والمرض، والقرآن جاء لمداواة ما في النفوس من النقائص التي تدسيها، فتحول بينها وبين ما ينبغي أن تكون عليه من الكمال الإنساني الإيماني بسبب العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق السيئة، ففي القرآن شفاء من كل ذلك، بما فيه من أوامر ونواه ومواعظ وقصص وأمثال ووعد ووعيد، هذا هو الذي نزل القرآن من أجله كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)﴾ [يونس: ٥٧]، قال بعض المفسرين:«شفاء لجميع ما في القلوب من أدواء الشرك والكفر والنفاق وسائر الأمراض النفسية التي يشعر صاحبها ذو الضمير الحي بضيق الصدر من شك في الإيمان، ومخالفة للوجدان، وإضمار للحقد والحسد والبغي، والعدوان، وحب للباطل والظلم والشر، وبغض للحق والعدل والخير»، انتهى، وهذا لا يمنع أن يكون في آية سورة الإسراء دليل على أن في القرآن شفاء للأمراض الحسية كما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، وقال النبي ﷺ عن فاتحة الكتاب: