واعترض بأن الصلاة لا تصح قبل الوقت، فكيف يقال إن الإسفار أعظم للأجر؟، فقيل إن ذلك الأجر باعتبار نيتهم، لا باعتبار صلاتهم التي قد يكونون صلوها قبله غير عالمين، ولا يخفى ضعفه، وقيل إن الأمر بالإسفار إنما جاء حيث يشتبه الوقت على الناس كما في الليالي المقمرة فإن الصبح لا يتبين فيها كما ينبغي، فأمروا بزيادة التبين استظهارا باليقين في الصلاة، قاله الخطابي في المعالم، وهذا والله أعلم توجيه جيد، فإن الله تعالى ناط ترك الأكل والشرب في الصيام بتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
ومساجدنا تعيش خلافات كبيرة في هذا الأمر، فإن بعض أهل العلم ذهبوا إلى أن المواقيت التي يعدها أهل التقويم الفلكي للصبح متقدمة على طلوع الفجر، فغدا أذان الصبح عندنا لا يدل على دخول الوقت بالفعل، بل يؤدى حسب الرزنامة التي تعدها الجهات المعنية التي جعلت التزام هذه الرزنامة دليل الوفاء للوطن!!، ومخالفتها دليل على الارتباط بجهات خارجية!!، فمن الناس من يصلي عقب الأذان بعد ركعتي السنة، ومنهم من يؤخر قليلا، ومنهم من يصل في التأخير إلى ربع ساعة، ومنهم من يفرط في التأخير، فإذا صلى الإمام قبل الوقت الذي يراه بعض المأمومين؛ فإما أن يخرج، وإما أن يصلي ويعيد، ولا حول ولا قوة وإلا بالله، والصواب في هذا: أن الصلاة لا يقدم عليها المرء إلا إذا تأكد من دخول وقتها، فإنه إذا صلى شاكا في الوقت كانت باطلة ولو وقعت فيه، وقد راقبت طلوع الفجر في بعض السنوات وآخرها في هذا الصيف من سنة (١٤٢٨) وقارنته بما في الرزنامة؛ فوجدته يتأخر عنها بنحو عشر دقائق، على الرغم من أن المنطقة التي كنت أراقب طلوع الفجر فيها بها أضواء اصطناعية في ذات الموضع الذي يطلع فيه الفجر، والذي نقوله للناس التأخير بنحو ربع الساعة، وهذا التقدير قد يختلف إذا كان الأفق محجوبا بمرتفعات، لكن القول بأن الفجر يطلع بعد نحو عشر دقائق ليس معناه أنه لم يطلع قبل حسب تقديرات الفلكيين، لما هو معلوم من أن الوسائل التي يعتمدونها في إثبات الطلوع دقيقة، والشرع لا يبنى عليها، والشك في دخول الوقت لا تصح معه الصلاة، ومرجع مغالاة بعضهم في التأخير ظنهم أنهم إن لم يشاهدوا ضوء الفجر فإنه لم يطلع مع أن الأفق يحجبه عنهم البنيان، وتختلط عليهم فيه الأضواء الاصطناعية بضوء الفجر، فلا