رواه الشيخان وبعض أصحاب السنن، ومعنى يتوجأ بها يضرب بها نفسه، ويتحساه يشربه، فتأمل رحمك الله كيف كان جزاؤه من جنس عمله فلما فاته القصاص في الدنيا اقتص الله تعالى منه في الآخرة بقتله نفسه بما قتلها به في الدنيا، وفيه إشارة خفية إلى أن قتل النفس قد يكون أعظم من قتل الغير، بل جاء ما يدل على أن المرء متى أفسد عضوا من أعضائه فإنه يبقى يوم القيامة على الصفة التي مات عليها عقوبة له، فقد روى أحمد ومسلم عن جابر قال: لما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له:«ما صنع بك ربك»؟، قال:«غفر لي بهجرتي إلى نبيه ﷺ»، فقال:«ما لي أراك مغطيا يديك؟، قال: «قيل لي: «لن نصلح منك ما أفسدت»، فقصها الطفيل على رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ:«وليديه فاغفر»، وفي صحيح البخاري عن جندب ﵁ عن النبي ﷺ فيمن جرح فجزع فأخذ سكينا فخز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله ﷿: بادرني عبدي بنفسه فحرّمت عليه الجنة».
ولمنع هذا الخطر وردع المقدمين عليه، شرع الله تعالى القصاص وقال في شأنه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)﴾ [البقرة: ١٧٨ - ١٧٩]، والمراد مما في الأولى قصر القصاص على القاتل فلا يتعدى إلى غيره كما كان عليه العرب، قال القرطبي في تفسيره (٢/ ٢٥١): «المراد بالقصاص في الآية قتل من قتل كائنا من كان، ردا على العرب التي كانت تريد أن تَقْتُلَ بمن قُتِلَ من لم يَقْتُلْ، وتقتل في مقابلة الواحد مائة افتخارا واستظهارا بالجاه والمقدرة، فأمر الله ﷾ بالعدل والمساواة، وذلك بأن يُقْتَلَ من قَتَلَ،،،»، انتهى، وقال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ