وروى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن السائب المخزومي أنه كان شريك النبي ﷺ قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال:«مرحبا بأخي وشريكي لا يداري ولا يماري»، ويداري هو من المدارأة التي هي المدافعة قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا (٧٢)﴾ [البقرة: ٧٢]، والمراد المشاغبة والمخالفة وكثرة المراجعة، لا من المداراة التي فعلها داراه يداريه بالياء فإنها مقبولة مشروعة لأن معناها بذل الدنيا من أجل الدين، وقوله يماري معناه يجادل.
وينبغي في شركة الأموال أن يكون ربح الشريك بمقدار ماله، فإذا كان ماله نصفا كان ربحه كذلك، فإن تعاقدا على التساوي في الأموال والتفاوت في الربح لم تصح، وكذلك ينبغي أن يكون ما على كل منهما من العمل بمقدار ما له من الربح، سواء أباشر العمل بنفسه، أم عين من يقوم به على ذمته، فإن دخلا على التفاوت في العمل والتساوي في الربح لم تصح، فمثلا إذا كان على الواحد منهما ربع المال وربع العمل وله ربع الربح، وعلى الآخر ثلاثة أرباعهما وكلك الربح جازت الشركة، فالحاصل أنه ينبغي أن يتعاقدا على أن الربح والخسر بمقدار المال والعمل، لكن متى تم العقد على المنوال المطلوب جاز لكل منهما أن يتنازل عن بعض حقه من المال أو العمل، فالذي يضر هو اشتراط عدم التساوي، قال خليل:«وله التبرع والسلف والهبة بعد العقد»، انتهى، وقد عللوا عدم مساواة حصة الربح للمال والعمل قبل العقد بأنه تبرع من الربح فيكون قد أخذ أكثر من حقه، وهو تعليل من الضعف كما ترى، فالظاهر أن اختلاف رأس المال أو العمل مع التساوي في الربح ليس بمانع من صحة الشركة لأنه عقد تم بالتراضي، ومال المسلم لا يحل إلا بطيب نفس، وقد طابت نفس العاقد بذلك فأين المانع؟، قال الشوكاني في السيل الجرار (٣/ ٢٤٩): «والحاصل أن التراضي على الاشتراك سواء تعلق بالنقود أو العروض أو الأبدان هو كله شركة شرعية، ولا يعتبر إلا مجرد التراضي مع العلم بمقدار حصة كل واحد من الربح والخسر، فإن كان الربح والخسر بمقادير مال الشركة أو مقادير قيمة العروض فلا بد من معرفة المقدار لترتيب الربح عليه، فإن حصل