يكادون يتبينونه حتى يكون فوق رؤوسهم، وهو لا يصل إلى ذلك المستوى إلا وقد مر عليه نحو نصف ساعة، أو أكثر، واحتمال عدم مطابقة حساب الفلكيين للواقع آت من كونهم لا يضعون في الحسبان خصائص الجهات من تضاريس كالارتفاع والانخفاض عن السطح العام الذي هو مرجع حسابهم، ووجود جبال تحول دون ظهور الفجر، أو تتوارى خلفها الشمس، فتغرب في الواقع، ولا تغرب في حسابهم، وثمة أمور أخرى، فهذا منشأ الخطإ المحتمل، وإنما اقتصر الخلاف على وقت صلاة الصبح والمغرب والعشاء لأن المعتمد في صلاتي النهار: الظهر والعصر القامة، ولا تأثير للتضاريس فيها، أما صلاة المغرب فالاحتمال الغالب على الفلكيين تأخيرها، وكذلك العشاء، والتأخير لا يضر بصحة الصلاة، ما لم يتعمد المؤمن تأخيرها إلى أن يخرج وقتها.
وأقول لمن يريد الاستبراء لدينه: لا تدخل الصلاة وأنت شاك في الوقت، فقد علمت أنها لا تصح، ولا خلاف في هذا بين العلماء، وهي أفضل ما تفعل بعد شهادتك أن لا إله إلا الله، فكيف إذا كنت إماما أو مؤذنا، والإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، والإمام أملك بالإقامة، فيتحمل مسؤولية التأكد من دخول الوقت لقول النبي ﷺ:«من أم الناس فأصاب الوقت، وأتم الصلاة؛ فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئا؛ فعليه ولا عليهم»، رواه أبو داود (٥٨٠) وغيره عن عقبة بن عامر.
وقد نقلت عن الإمام مالك أقوال أحملها على هذا المعنى، فإن المبادرة بالصلاة في أول الوقت مطلوبة لكن بعد تأكد دخول الوقت، روى مطرف عن مالك، وهو في النوادر:«والسنة في الغيم تأخير الظهر، وتعجيل العصر، وتأخير المغرب، كي لا يشك، وتعجيل العشاء، أو يتحرى زوال الحمرة، ويؤخر الصبح حتى لا يشك في الفجر»، قال ابن وهب عن مالك إنه كره تعجيل الصلاة في أول الوقت، وقال عنه ابن القاسم:«ولكن بعد ما يتمكن ويذهب بعضه»، وقال ابن وهب قلنا لمالك: إن البيوت توارى في الفجر، والناس في المسجد، قال: يتحرون الفجر ويركعون»، وقال أشهب في المجموعة:«إن الصلاة بعد الوقت لمن بلي به أهون منه قبله»، انتهى.
أما نهاية وقت صلاة الصبح ففي الموطإ (٤) والصحيحين وسنن أبي داود (٤١٢)